هل أصبح التوافق مهدّدا في تونس بعدما ضمن لنا استقرارا وقتيا ومهّد، ولو جزئيا للانتقال الديمقراطي؟ ثم من له مصلحة في ضرب هذه الحالة التي كانت وليدة رغبة جماعية للخروج من أزمة الشرعية المفقودة؟ وما هي التداعيات الممكنة اذا تأكد التهديد أو ما هي السيناريوهات المتوقعة لبلادنا سياسيا واجتماعيا واقتصاديا خلال الأشهر القادمة؟ الخوف على التوافق فرضه تكرر حالات الاعتداء على الأحزاب والتيارات السياسية والهياكل الدستورية، وضيق هامش قبول الآخر ورفض الاختلاف، والعمل على افساد اجتماعات ولقاءات «الخصوم» وأصحاب الرأي الآخر، مع ما يعنيه ذلك من ضرب لحرية التعبير والفكر، رغم ان هذه القيمة النبيلة تحوّلت في بعض الأحيان الى أداة استفزاز واعتداء على الثوابت والمقدسات كادت أن تدفع البلاد الى مربع العنف. الخوف على التوافق يتأتى أيضا من اضعاف الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والاصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي التي رعت التوافق ودعمته في وقت تراجعت فيه هيبة الدولة ومؤسساتها والتي يمكن اليوم، ورغم الانتقادات الموجهة اليها من داخلها وخارجها، أن تؤسس لمرحلة الانتقال الديمقراطي وتحقق الاصلاح المنشود والمرتقب، وكلها من أوكد أهداف ثورة 14 جانفي المجيدة. وهناك مؤشرات أخرى تبعث على القلق في أوساط عديدة ومنها التعديل الوزاري الاخير والنقد الموجه الى بعض أعضاء الحكومة المؤقتة الجدد حول ماضيهم السياسي في علاقة بمسألتين محسوم فيهما شعبيا وسياسيا، تتعلقان بالتجمّع المنحلّ والعلاقات بالكيان الصهيوني. كما يطرح توقيت التعديل وتوسيع الحكومة المؤقتة المهتمة أساسا بتصريف الاعمال، تساؤلات وقراءات متعددة ومختلفة خاصة ان انتخابات المجلس التأسيسي باتت قريبة ولم تعد تفصلنا عنها غير أشهر ثلاثة. إن أجواء التوتر والمشاحنات والتهديد باستعمال العنف والقوة ضد كل من يخالفنا الرأي او المعتقد او الخيارات لا تبعث على الاطمئنان ولا يمكن ان تخلق مناخا ملائما لإجراء انتخابات تعددية وتنافسية نزيهة وشفافة خاصة أن قوى عديدة وأوساطا مختلفة استبقت هذا الاستحقاق لترسم سيناريوهات المستقبل او تخلق فزاعات ولتجعل السياسة قريبة من التنجيم وقراءة الكف.