من هم سكان تونس الأصليون وما هي أصولهم، فارسية أم مصرية أم سامية أم أوروبية؟ أسئلة عديدة حاول المخرج السينمائي مصطفى التايب ان يجيب عنها في فيلم بعنوان «قصور من رمال» مستندا في ذلك الى مراجع تاريخية عدة لمؤرخين إغريق وعرب وأوروبيين. و«قصور ورمال» الذي قدمه المخرج يوم الثلاثاء الماضي 5 جويلية 2011 في عرض خاص للصحافيين والسينمائيين بقاعة الفن السابع بالعاصمة هو سادس فيلم في مسيرته الفنية التي تعود الى سنة 1978، تاريخ التحاقه بالجامعة التونسية للسينمائيين الهواة حيث كانت له أول تجربة وثائقية عن مهرجان قليبية لفيلم الهواة. أصل سكان تونس وفي «قصور من رمال» يستعرض المخرج مصطفى التايب تاريخ تونس منذ البربر الى 14 جانفي 2011، تاريخ الاطاحة بنظام الرئيس السابق، وذلك بلغة سينمائية مزج فيها بين الصورة الواقعية والرسوم المتحركة، حيث يقود بطله الكرطون وهو طفل صغير الى الجنوب التونسي حيث القصور البربرية المعروفة باسم «الڤصور». ومن قصري «أولاد سلطان» وأولاد العابد بتطاوين يبدأ المخرج في سرد تاريخ تونس بصوت المذيعة والصحفية أماني بولعراس انطلاقا مما قبل القرن العاشر قبل الميلاد تاريخ قدوم الفينيقيين الى تونس وتأسيس قرطاج. ويستعرض المخرج أصول السكان الاصليين لتونس استنادا الى مراجع ابن خلدون والمؤرخ الاغريقي ساليست وهانز قونتر، وألفريد هوزنبيرغ منظر النازية. وتذكر هذه المراجع ان السكان الأصليون لتونس هم البربر الذين تعود أصولهم إما للفرس او المصريين القدامى او الساميين أو الأوروبيين ويذهب هانز قونتير مثلا الى اعتبارهم من القادمين من شمال أوروبا فيما يعتبرهم منظر النازية من الجنس الآري. أما التاريخ المعاصر فيرى انهم من أحفاد السكان الأصليين للبلاد الذين هاجروا اليها من الشرق قبل 16 ألف سنة. ومن وجهة نظر أنتروبولوجية يشبه البربر كثيرا سكان إيطاليا وإسبانيا وكورسيكا.. شخصيات بربرية ومن البربر يتحوّل المخرج الى الفينيقيين حاملا بطلة الكرطوني الصغير في رحلة بين الرسوم المتحركة والواقع وأحيانا بين الواقع والكرطون كأن يركب بطله الكرطوني الصغير على حصان من الواقع يمتطيه فارس حقيقي. ويستعرض في الأثناء تاريخ قرطاج من التأسيس الى بناء الدولة ثم الانهيار ودخول الرومان الذين عجزوا لوقت طويل عن السيطرة على البربر الذين دخلوا الدين المسيحي فيما بعد ويذكر الشريط، ابرازا لهذه الفترة، عديد الشخصيات البربرية مثل «يوغرطة» و«أبولي» و«سانت أوڤستان» والكاهنة وطارق بن زياد. صور من الثورة أكثر من ثلثي الشريط خصصها المخرج لما قبل القرن الخامس ميلادي ربما إبرازا لهذه الفترة في علاقتها بعنوان الفيلم الذي يتحدث عن «القصور» وأصولها التاريخية، ساردا كامل الفترات اللاحقة في الثلث المتبقي وهي زحف الوندال في القرن الخامس والبيزنطيين في القرن السادس ثم دخول العرب المسلمين في القرن السابع. وفي سرد سريع يتعرض المخرج الى الفاطميين وزحف بني هلال ثم النورمنديين في القرن الثاني عشر والموحّدين في 1159 والإسبان في نهاية القرن السادس عشر الى حين قيام الحماية الفرنسية في 1881 واستقلال البلاد وقيام النظام الجمهوري في 1957. كما لم يغفل المخرج رغم وقوف أحداث السيناريو الذي كتبه في الأول وحصل به على دعم الوزارة عند حدود إزاحة الأسبق الحبيب بورقيبة عن تصوير الأحداث الأخيرة في سيدي بوزيد التي أنهت فترة النظام السابق في 14 جانفي 2011 كما لم يغفل صور الثورة وانتصار الشعب التونسي. «قصور من رمال» فيلم يمكن استغلاله لتدريس تاريخ تونس لدى الناشئة وخصوصا طلبة التعليم الأساسي اذ يحمل الى جانب العنصر المعرفي فيه عناصر جمالية وبيداغوجية حديثه قادرة على شد المتفرّج وترغيبه في معرفة تاريخ بلاده.