في أول شهر فيفري 1983 رحل المرحوم الصادق الزمرلي، وبوفاته فقدت تونس آخر ممثل للحركة الوطنية التونسية الاولى التي ظهرت للوجود في مطلع هذا القرن. والغالب على الظن أن المرحوم ولد بمدينة تونس في «دار البشا» بعد انتصاب الحماية الفرنسية بحوالي 3 أو 4 سنوات أي في عام 1884 أو 1885. وبعد إتمام دراسته الابتدائية، التحق بالمعهد الصادقي، في مقره القديم الكائن بنهج جامع الزيتونة، ثم غادر الصادقية قبل إنهاء دراسته الثانوية. وما إن دخل معترك الحياة العملية، حتى انخرط في جمعية قدماء الصادقية التي أسسها عام 1905 جمع من المثقفين التونسيين، على رأسهم علي باش حامبة، وعندما أصدر هذا الاخير عام 1907 جريدة التونسي الناطقة بلسان «حركة الشباب التونسي» كان الصادق الزمرلي من أول المحررين فيها، رغم صغر سنه. وبمناسبة الاضراب الذي شنه طلبة جامع الزيتونة في 15 مارس 1910 للمطالبة بإصلاح التعليم، تم التلاحم بين حركة الشباب التونسي والحركة الزيتونية، وانعقد اجتماع عام بالقصبة أمام المدرسة الصادقية يوم 13 ماي 1910، للاحتفال بنجاح الاضراب والافراج عن الطلبة الموقوفين. ومن النشاط الذي قام به الفقيد في تلك الفترة، مساهمته في النهوض بالمسرح التونسي، حيث كان من مؤسسي «جمعية الآداب العربية» التي تكونت في عام 1911 وقدمت روايتها الاولى «صلاح الدين الايوبي» بالمسرح البلدي بالعاصمة. ** نشاط مكثف وقد بلغت حركة الشباب التونسي أوجها في عام 1912 وشملت جميع الميادين السياسية والثقافية والاجتماعية. وفي فجر يوم 13 مارس 1912 ألقي القبض على سبعة من قادة الشباب التونسي وهم: علي باش حامبة وعبد العزيز الثعالبي ومحمد نعمان وحسن لاتي والصادق الزمرلي والمنوبي درغوث والمختار كاهية. أما الاربعة الاولون فقد تم إبعادهم خارج تراب المملكة بدون محاكمة، وأما الصادق الزمرلي والمنوبي درغوث فقد أبعدا الى الجنوب، بينما سجن المختار كاهية بالحاضرة نظرا لقرابته للاسرة المالكة. كما ساهم الصادق الزمرلي مساهمة فعالة في جميع الاجتماعات والمشاورات والمناقشات التي جرت بين الوطنيين في تونس طوال سنتي 1919 و1920 الى أن أفضت الى الاعلان عن تأسيس «الحزب الدستوري التونسي» في شهر جوان 1920. وعندما دبت الخلافات بين قادة الحزب الجديد وانقسم الى شقين الاول بزعامة الثعالبي والثاني يقوده حسن لاتي صاحب التوجهات الاصلاحية والمعتدلة وانتهى الامر الى الانفصال عن الحزب الدستوري في عام 1921 وتكوين الحزب الاصلاحي الذي انضم اليه الصادق الزمرلي بحكم علاقاته المتينة بقادته. ** الامير ولكن هذا الحزب لم يستطع الصمود وانقلب الى مجرد مجمع يضم عددا قليلا من المثقفين الذين لا صلة لهم بالشعب. وقد تأثر الصادق الزمرلي بالغ التأثر بما حدث فانقطع عن كل نشاط سياسي وتفرغ للقيام بمهامه بوزارة العدل التي أحدثت في شهر أفريل 1921. وأبت الظروف إلا أن تجره لاقتحام الميدان السياسي من جديد خلال الحرب العالمية الثانية، ذلك ان صديقه القديم المغفور له المنصف باي ارتقى الى العرش في جوان 1952 فعينه مديرا للمراسم ومنحه لقب أمير أمراء. وبعد انتهاء الحرب عاد الى العمل بوزارة العدل الى أن أحيل على التقاعد. ولكنه لم يركن الى الراحة، فألف العديد من الكتب والدراسات فأصدر على التوالي الكتاب الاول «السابقون» في عام 1966، والكتاب الثاني «التابعون» في عام 1967، والجزء الاول من الكتاب الثالث «المعاصرون» في عام 1972، والجزء الثاني منه في عام 1976، وهو آخر كتاب يصدره وقد ناهز التسعين من عمره.