بقلم: الأستاذ جلال الرايسي - (تونس) لقد هالني حجم المغالطات والأخطاء المنهجية المتعمدة في الحوار الذي أجرته جريدة «الشروق» مع الطالبي والمنشور بتاريخ 1 جويلية 2011. إن الأصل عند أهل السنة الكفّ والإمساك عمّا شجر بين الصحابة إلا إذا دعت الحاجة فوجب التحقّق والتثبّت في الروايات عملا بقوله تعالى {يا أيّها الّذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبيّنوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين} (1) هذا في المؤمنين عامة والصحابة باعتبار سابقتهم في الدعوة والهجرة والنصرة والعلم النافع والعمل الصالح والجهاد وبذل المال والنفس أولى بذلك. يقول الطالبي «وقد نصح ابن عمّ الرسول النبيّ بتطليق عائشة وقال له النساء كثّر» وأصل الحديث أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب التفسير وقد تعمّد الكاتب الاعتداء على النص بتجزئته وعدم ذكر ما لا يؤيد مذهبه ليوهم القارئ وكأن هناك عداوة بين السيدة عائشة وعلي رضي اللّه عنهما ولم يذكر قول علي للرسول عليه الصلاة والسلام «وإن تسأل الجارية تصدقك» أي جارية السيدة عائشة فعلي بذل جهده للنبي الذي استشاره في أمر أهله فعلي لم يجزم بالاشارة لفراقها لأنه عقب ذلك بقوله «وإن تسأل الجارية تصدقك» قال ابن حجر «فرأى علي أنه إذا فارقها سكن ما عنده من القلق بسببها الى أن يتحقق براءتها فيمكن رجعتها» (2) وقد أنزل اللّه براءتها في قرآن يُتلى الى يوم القيامة. يقول الطالبي «وبقيت تكنّ له الحقد والعداوة لذلك قامت ضده وأيدت من ثار عليه» وهذه الرواية لا أصل لها في كتب التاريخ الموثوق بها ولعلها من روايات الروافض فكتبهم مليئة بالطعن في الصحابة والسيدة عائشة بالخصوص. ولا يصح علميا أن يكتب في الاسلام وتاريخه اعتمادا على كتب أعدائه وخصومه زيادة على أن أغلب الرواة في كتب الرافضة متهمين بالوضع والكذب. أما عن سبب خروج أم المؤمنين فيقول ابن العربي «وأما خروجها الى حرب الجمل فما خرجت لحرب ولكن تعلق الناس بها وشكواهم إليها ما صاروا إليه من عظيم الفتنة وتهارج الناس ورجوا بركتها في الاصلاح وطمعوا في الاستحياء منها إذا وقفت للخلق وظنّت هي ذلك فخرجت مقتدية باللّه في قوله تعالى {لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين النّاس}.. والأمر بالاصلاح مخاطب به جميع الناس من ذكر وأنثى» (3). وروى الطبري أن السيدة عائشة قالت «إن الغوغاء من أهل الأمصار ونزاع القبائل غزوا حرم رسول اللّه ے وأحدثوا فيه الأحداث وآووا فيه المحدثين واستوجبوا فيه لعنة اللّه ولعنة رسوله مع ما نالوا من قتل إمام المسلمين بل ترة ولا عذر.. وأقاموا في دار قوم كانوا كارهين لمقامهم ولا يقدرون على امتناع ولا يأمنون فخرجت في المسلمين أعلمهم ما أتى هؤلاء القوم وما فيه الناس من ورائنا وما ينبغي لهم أن يأتوا في إصلاح هذا» (4). يقول الطالبي «وأيدت من ثار ضده فكانت واقعة الجمل» لم يذكر الكاتب السبب الرئيسي للفتنة وهو عبد اللّه ابن سبأ وفرقته الضالّة وقد عرف ابن عساكر ابن سبأ فقال «عبد اللّه ابن سبأ الذي تنسب إليه السبئية وهم من الغلاة من الروافض وأصله من اليمن. كان يهوديا وأظهر الاسلام وطاف بلاد المسلمين ليلفتهم عن طاعة الأئمة ويدخل بينهم الشر» أما عن أسباب واقعة الجمل فلننقل بعض ما صرح به العلماء المحققون للفتنة. يقول ابن حزم «وأما أم المؤمنين والزبير وطلحة رضي اللّه عنهم ومن كان معهم فما أبطلوا قط إمامة على ولا طعنوا فيها.. فقد صح ضرورة لا إشكال فيها أنهم لم يمضوا الى البصرة لحرب علي ولا خلافا عليه ولا نقضا لبيعته.. وبرهان ذلك أنهم اجتمعوا ولم يقتتلوا ولا تحاربوا فلما كان الليل عرف قتلة عثمان أن الإرغة والتدبير عليهم فبيتوا عسكر طلحة والزبير وبذلوا السيف فيهم فدفع القوم عن أنفسهم فردعوا حتى خالطوا عسكر علي فدفع أهله عن أنفسهم وكل طائفة تظن ولا تشك أن الأخرى بدأتها بالقتال فاختلط الأمر اختلاطا لم يقدر أحد على أكثر من الدفاع عن نفسه والفسقة من قتلة عثمان لا يفترون من شبّ الحرب وإضرامها» (5). يقول ابن كثير واصفا الليلة التي اصطلح فيها الفريقان من الصحابة «وبات الناس بخير ليلة وبات قتلة عثمان بشر ليلة يتشاورون وأجمعوا على أن يثيروا الحرب من الغلس» (6). ويقول ابن العربي «وقدم علي البصرة وتدانوا ليتراؤوا فلم يتركهم أصحاب الأهواء وبادروا بإراقة الدماء واشتجر الحرب وكثرت الغوغاء على البوغاء كل ذلك حتى لا يقع برهان ولا يقف الحال على بيان ويخفى قتلة عثمان وإن واحدا في الجيش يفسد تدبيره فكيف بألف» (7). يقول الطالبي «إن هذا تاريخ لا يمكن نفيه هو مكتوب في كتب الأصول القديمة ولا يمكن إلغاؤه» فأقول إن ما ذكره الطالبي مجرد رواية للتاريخ ولم يقل أحد أن قدم الرواية دليل على الصحة والرواية متى عارضت ما تواتر من المعلوم في محاسن الصحابة وفضائلهم لا يمكن قبولها فاليقين لا يزول بالشك هذا اضافة الى أن هذه الروايات يرويها الرافضة وهم أكذب الناس في العقليات وأجهلهم في العقليات. أما ما تواتر في فضل الصحابة وعدالتهم وطهارتهم واختياره لهم في نص القرآن فمن ذلك قوله تعالى {كنتم خير أمّة أخرجت للنّاس} وقوله تعالى {وكذلك جعلناكم أمّة وسطا لتكونوا شهداء على النّاس ويكون الرّسول عليكم شهيدا} وقوله تعالى {لقد رضي اللّه عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السّكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا} وقوله تعالى {والسّابقون السّابقون أولائك المقرّبون} أما من السنة فقد وصف رسول اللّه ے الصحابة مثل ذلك وأطنب في تعظيمهم وأحسن الثناء عليهم فمن الأخبار المستفيضة عنه في هذا المعنى الحديثان اللذان أخرجهما البخاري في فضائل أصحاب النبي فالأول عن عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه أن النبي ے قال «خير النّاس قرني ثم الذي يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يأتي قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته» والثاني حديث أبي سعيد الخدري قال قال رسول اللّه ے «لا تسبّوا أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل جبل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه». يقول الطالبي «الصحابة الذين اختارهم اللّه قتلوا بعضهم بعضا» فالردّ عليه أن جمهور الصحابة لم يدخلوا في الفتنة قال عبد اللّه بن الامام أحمد بإسناده الى محمد بن سيرين قال هاجت الفتنة وأصحاب رسول اللّه ے عشرة آلاف فما حضر الفتنة منهم مائة بل لم يبلغوا ثلاثين» والصحابة لم يقاتلوا إلا عن اجتهاد ولم ينقل عنهم أنهم نازعوا علي في الخلافة ولكنهم اختلفوا في الأولوية بين القصاص من قتلة عثمان وتثبيت البيعة والخلافة. والآثم هو «من يقاتل بغير تأويل جائز بل بمجرد طلب الملك» (8). وأختم بقوله سبحانه وتعالى {والّذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربّنا اغفر لنا ولإخواننا الذّين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاّ للّذين آمنوا ربّنا إنّك رؤوف رحيم} (9). (1) الحجرات 6 (2) فتح الباري (3) العواصم من القواصم (4) تاريخ الطبري (5) الفصل في الملل والأهواء والنحل (6) البداية والنهاية (7) العواصم من القواصم (8) فتح الباري