(القسم الأول) بعد أن أنجز الناقد والروائي المغربي د. أحمد المديني كتابه الهام عام 2007 والمعنون «عمل الكاتب، الكاتب وهو يعمل» والمكرس لعدد من الكتاب الغربيين ارتأى أن يستكمل هذا المشروع الجدير بالاهتمام بأن يكرس كتابا ثانيا للكتاب العرب من خلال معاينة ثمان تجارب عربية لكل من يحيى حقي وأدوار الخراط (مصر)، والياس فركوح (الأردن)، وعبد الرحمان ومجيد الربيعي، ومحمد خضيّر (العراق)، ومبارك ربيع، وعبد الله العروي، وميلودي شغموم (المغرب). وعنوان كتابه الجديد هذا «النحلة العاملة أو صناعة الكاتب العربي». هو كتاب جديد في موضوعه حقا كما عنونت قراءتي هذه، اذ أننا اعتدنا أن يكون النقد على شاكلة أخرى لا تعنى بالولوج المختبري لعالم الكاتب ومحاولة قراءة طقوسه الكتابية ومداخله. وأعتقد أن المديني صاحب المدونة الثرية والمتعددة من القصة القصيرة الى الرواية الى الشعر فالنقد والترجمة والتدريس الجامعي بين فرنسا والمغرب والرحالة الذي لا يستقر فيكتب ما يعيشه ويراه (آخر كتبه حول أدائه للحج) مثلا. أقول أعتقد بأن المديني لو لم يكن مبدع نصّ حداثي متميز لما استطاع الغوص في عوالم هؤلاء الكتّاب العرب الثمانية وكلهم من الساردين إذ أنني مؤمن بأن المبدع عندما يتحول الى قراءة نص ومن ثم الكتابة عنه فانه (يتقمص) بشكل أو آخر شخصية كاتبه ويبدأ بتسيير النص المكتوب عنه وكأن كاتب النقد هو المؤلف، ولذا لن يتردد في تسجيل ملاحظات بشأن الزيادة أو النقصان، بشأن الاضافة والحذف. ومن الواضح ان المديني لم يتقيّد بتوزيع جغرافي للذين تناولهم في كتابه، بل هم عينات اشتغل عليها لأنها وفّرت له المداخل اليها وبالتالي الوقوف المتأني عندها. من يحيى حقي وهو من جيل الرواد في مصر وكذا الأمر مع عبد الله العروي في المغرب أو مع ادوار الخراط الذي ينتمي إلى جيل الخمسينات في مصر الى كتّاب من جيل الستينات الذي هو جيل المديني نفسه والاقرب اليه ولذا قرأ «صناعة» أربعة منه (مغربيان وعراقيان) وربما كان الروائي الأردني إلياس فركوح وحده من الجيل التالي الذي عنى بتجربته المختبرية. لقد وصف المديني اشتغال هؤلاء الكتّاب ودأبهم باشتغال «النحلة العاملة» التي تملأ الخلايا بالعسل. يقول المديني في مقدمة لكتابه المعنونة «هذا الكتاب... ولماذا؟» ان (مفهوم عمل الكاتب حديث النشأة غير مطروق في ثقافتنا العربية الكلاسيكية بالصورة التي يجري بها الكلام عنه اليوم، وفي المجال الغربي بصفة خاصة. ولا مفهوم الكاتب جاء بالصورة التي يتبلور عليها راهنا، أو هو في الطريق...ليأخذ وضعا مستقلا متميز الخصائص وبالتالي ممتلكا لجملة حيازات كحقل منتج لمفاهيم صغرى ومساطر وبروتوكولات تنتظم داخله، تسهم في توليده، لتساعد على مزيد فهم منتوجه النصي). ومن هنا يأتي وصفه لما قام به بعد تسجيل المآخذ بأنه (مجهود تكييف وملاءمة) ويوضح هذا بقوله: (لقد اقتضت عملية التكييف أن تخضع التسميات الى معناها في السياق الثقافي التاريخي أولا، وأن نؤولها بعد ذلك اجرائيا كمفهوم). والمقدمة هذه مهمة جدا، ويتعذر عليّ ايراد كل ما ورد فيها، لكنها مقدمة قالت الكثير عن الكتاب وفصوله، كما أنه توقف فيها عند الراحل الروائي عبد الرحمان منيف وحواراتهما حول الرواية والحياة عندما كان منيف مقيما بباريس وهي مقر اقامة المديني شبه الدائم منذ سنوات طويلة. ولا ينسى المديني في أن يختم مقدمته بنبرة اليأس التي لازمت النخبة العربية ولعلي أستدرك وأقول قبل ثورات الشباب (تعود المقدمة كما هو مذكور في خاتمتها الى تاريخ 1 4 2010) إذ يقول: (إن فسحة الأمل تضيق ومثل تاريخنا نحن العرب تسقط وتتهافت، والكاتب الذي اعتبر نفسه طويلا في قلب نخبة التحديث والتقدم يتقلص ظله بين سكون وولاء واستجداء وابتذال واستبدال قيم).