مرة أخرى يطفو موضوع التحوير الوزاري على السطح وتتواتر التسريبات والتحليلات التي تتحدث عن قرب تغيير حكومة يوسف الشاهد. وتتراوح تقديرات «المحللين» لحجم ونوعية التحوير المنتظر بين تحوير محدود يستهدف الوزراء غير الاكفاءالى تحوير واسع وعميق «يطيح» برئيس الحكومة نفسه. حديث التحوير الوزاري الحكومي... حديث متواتر، رافق كل الحكومات التونسية، وهمّ دائم يشغل «السياسيين» التونسيين والطامحين وصالونات النميمة السياسية. ويتبدّل شكل ومضمون التحوير حجما ومضمونا استتباعاً لرغبات وأمنيات السياسيين، لكنه يبقى مرتبطا بكلفته على البلاد والعباد، كلفته المرحلية، وأيضا كلفته الاقتصادية لجهة ما يثيره من غموض وارتباك في مؤسسات الدولة وما يتسبب فيه من هدر للوقت والجهد. الى حد الآن لم يفصح رئيس الدولة عما يدور في خلده ولم يفصح عن موقفه مما يدور من حديث حول أنباء اقالة رئيس حكومته سوى تسريبات تشير الى أنه غير راض عن أداء بعض الوزراء وغير مرتاح ازاء طريقة معالجة بعض القضايا لكن رغبته في المحافظة على الاستقرار الحكومي يؤكّدها أكثر من تلميح وأكثر من تصريح. هذه التلميحات والتصريحات «حمالة أوجه» لكنها لا تنفي ايضا حقيقة أن الحكومة ستكون امام تحوير وزاري. عاجلا ام آجلا. لكن هناك قلقا من أن يكون التحوير الموعود وفقا للمعايير التي تفرضها صالونات النخب السياسية. وفق معايير رئيس الحكومة فان الوضع شهد تحسنا كبيرا مؤخرا، فمن رفع نسبة النمو الى 2،5 بالمائة، الى إصلاح الوظيفة العمومية وإصلاح أوضاع الصناديق الاجتماعية والمؤسسات العمومية ومعالجة مسالة كتلة الأجور، الى الانتعاشة المتوقعة في قطاع النسيج وقطاعات السياحة والصناعات المعملية والتي تؤكد كل الأرقام والمؤشرات المتعلقة بها عودتها التدريجية للمساهمة في التصدير والتشغيل وصولا الى قضايا اخرى عديدة. لكن هل أن هذه المعايير تجد صدى لدى المواطن؟ إن دلالة هذا السؤال لا تكمن في صيغته بل في مجرد طرحه لكنه يلد سؤالا آخر هو ربما أكثر الحاحا لم نستطع حتى اللحظة الإجابة عنه: هل أن التحوير الوزاري يمثل شأناً عاما يمسّ حياة الناس ومصيرهم؟ لا أحسب أن أحداً من المواطنين قد انشغل بهذه المسألة أو أعارها أي انتباه من أي نوع، لكن عدم انشغال المواطن بهذه المسالة يعكس في الحقيقة شيئا أكثر قلقا وحيرة ألا وهو غياب ثقة المواطن اليوم في النخبة السياسية الحاكمة. ولأن هذه الثقة غائبة، فإن استعادتها لا يمكن أن تتمّ الا من خلال تقديم «شحنات غذائية عاجلة» للرأي العام الظمئ لما يطفئ عطشه، ويعيد اليه شيئا من الأمل... هنا تصبح الحاجة ماسة الى مبادرات ترقى إلى مستوى الاختراقات، تضع الناس على سكة مختلفة، بتخليصه من ثقافة «اليأس» و«فقدان الأمل»، ولا شكّ أن هناك العديد من المبادرات التي يمكن التفكير بها في شتى المجالات، والتي يمكن أن تفتح أفقاً أمام المواطن، وتعزز التفافه الواعي حول الدولة. لم نر مثل هذه المبادرات قد شقت طريقها إلى أسماع الناس وأنظارهم وانتظاراتهم،.. لكن من االمنطقي القول بأن الأوان لم يفت بعد.