بدأت فكرة الاطاحة بالملك ادريس السنوسي تجد طريقها شيئا فشيئا الى الواقع...كانت هناك مجموعة من العوامل التي تساعد على ذلك. فقد كانت البلاد تمر بظروف استثنائية لعل أهمها الفساد الاداري المستشري بين حاشية الملك ادريس السنوسي الى جانب شيخوخة الملك و عدم قدرته على متابعة أمور الحكم بشكل مباشر الامر الذي أدى الى انتقال السلطة الفعلية الى ايدي المنفذين و خاصة عائلة «الشلحي» و منهم عمر الشلحي مستشار الملك ادريس السنوسي و شقيقه عبد العزيز الشلحي رئيس اركان الجيش في الايام الأخيرة من العهد الملكي و الأمير عابد السنوسي الملقب بالامير الاسود و كذلك غياب الاستقرار السياسي خاصة بعد نكسة جوان 1967 و الانفجار الشعبي الذي أدت اليه هذه الهزيمة في ليبيا حيث خرجت مظاهرات شعبية عارمة في ليبيا تطالب بمشاركة ليبيا في الحرب و مساعدة الجيوش العربية. اضطرت الحكومة الليبية آنذاك الى الرد عليها بعنف مما ولد لدى الشعب الليبي شعورا عارما بمهاجمة القواعد العسكرية الامريكية ردا على ما قدمته الادارة الأمريكية من مساعدات للكيان الصهيوني في حرب 1967. أما الملك ادريس السنوسي فقد كان في غنى عن السلطة و بدا ذلك واضحا من خلال تقديمه الاستقالة عدة مرات كانت آخرها في أوت 1969 الأمر الذي أحدث فراغا سياسيا في البلاد. يقول مصطفى أحمد بن حليم أحد أبرز رجالات العهد الملكي في ليبيا و رئيس وزراء في عهد المملكة الليبية 1954 و1957 ان السلطة في ليبيا كان في حالة من الغفلة و اللامبالاة حتى أنها كانت تعلم بوجود محاولات للاطاحة بالحكم لكنها لم تكن مبالية بالأمر و لم تحرك ساكنا. لقد كان زمام الأمور منفلتا حتّى أنه أمام الفراغ الرهيب على الساحة السياسية الليبية و حالة اللامبالاة و امتناع نظام الملك ادريس السنوسي عن خوض معركة البقاء –يقول مصطفى عبد الحليم- أصبح السبيل لملء الفراغ سهلا أمام من وصفهم ب»المغامرين و الانقلابيين» الذين «استلموا السلطة و لم يستولوا عليها». و في ظل الوضع العاصف الذي كان سائدا في تلك الفترة في ليبيا بشكل خاص و الوطن العربي بشكل عام كان القذافي لا يهدأ...كان يكثف اتصالاته و لقاءاته مع الضباط الاحرار من أجل تحديد موعد لقلب النظام الملكي . يقول قذاف الدم في مذكراته: «كان موعد الثورة قد تحدد بيوم 12 مارس 1969، لكنه تأجل لأن جميع رجال الدولة، بمن فيهم الضباط الكبار في الجيش، كانوا في حفل أم كلثوم الذي أقيم في مسرح بنغازي»، وهي المدينة التي ستعلن فيها حركة الضباط الأحرار عن نفسها بعد أقل من خمسة أشهر من الآن. ويضيف أن «الضباط الأحرار لو كانوا قد تحركوا وقاموا بالثورة في تلك الليلة لوقعت مذبحة». في ذلك الوقت كانت أم كلثوم تشدو بأغنية «الأطلال» التي تقول في ختامها: ربما تجمعنا أقدارنا ذات يوم.. بعد ما عز اللقاء.» حدد موعد آخر... يوم 24 مارس 1969 للاطاحة بالنظام الملكي في ليبيا، الا ان سفر الملك ادريس السنوسي المفاجئ الى مقر اقامته في طبرق دفع «الضباط الأحرار» الى تغيير خططهم وتأجيل الموعد الى أجل غير مسمى! يقول، العقيد الليبي الراحل، معمّر القذافي، في كتابِهِ «قِصَّة الثورة»، أنهُ من المستحيل تحديد يوم بعينِهِ لبدايةِ الثورةِ، كما هو الحال في أيَّة ثورة، لا يمكن تحديد بداية لها عكس الانقلاب، الذي هو «خاطِرة طارئة، تطرأ على خاطر القادة الكبار». بدت تصرفات الضابط معمر القذافي أكثر شراسة ، وحين جاء حفل تخريج دفعة جديدة من ضباط الجيش في بنغازي يوم 9 أوت1969، كانت السلطات الأمنية والمخابرات العسكرية في ذلك الوقت تستشعر أن هناك أمرا ما سيحدث وأن القذافي الذي يبدو أمام الجميع أنه يقف وحده، لديه ما يعطيه القدرة على التحدي سواء داخل الوحدات أو خارجها. وفي 13 أوت 1969 تقرر عقد اجتماع لكل القيادات العسكرية الكبيرة وضباط وحدات الجيش في منطقة بنغازي، في مسرح الكلية العسكرية لشرح اهمية الدفاع الجوي الذي صممه الأنقليز و اقتناه النظام الملكي القائم في ليبيا . عقدت اللجنة المركزية لحركة الضباط الأحرار وقررت تفجير «الثورة» في 13 أوت 1969، حيث يتم اعتقال كافة الضباط من ذوي الرتب الكبيرة. تقرر تأجيل التنفيذ الى موعد آخر، بسبب عدم قدرة ضباط طرابلس على معرفة الصورة الواضحة في مثل ذلك الوقت القصير، ليتم في الأخير تحديد الأوّل من سبتمبر لتفجير «الثورة». لكن في الوقت الذي كانت فيه التحركات تتزايد كان يتأكد للأمن الليبي آنذاك أن هناك مشكلة كبيرة قادمة في الطريق. ولهذا صدر أمر باعتقال القذافي، وجرى تكليف مجموعة من الضباط بالقبض عليه أثناء وجوده في فندق «الريفييرا» في بنغازي يوم 31 اوت 1969 ليلا. وفي هذه الأثناء كان القذافي قد أصدر أوامره للوحدات العسكرية التابعة له بالتحرك. يقول قذاف الدم «كنا على أعصابنا ننتظر ساعة الصفر... كانت لحظات رهيبة في الانتظار، لأننا كنا نخشى القواعد العسكرية الأجنبية التي قمنا بمحاصرتها «. كانت الخطة تقضى بالاستيلاء على الإذاعة وعلى معسكرات الجيش والقوة المتحركة ومحاصرة القواعد الأجنبية الجاثمة فوق الأرض الليبية والقبض على كبار المسؤولين السابقين والسيطرة على بقية المدن المهمة وأعطيت كلمة السر لتفجير الثورة «القدس» و حدّدت ساعة الصفر في صبيحة الأول من سبتمبر 1969...فهل ستنجح خطة القذافي وهل يكون الموعد مناسبا هذه المرة؟ فإلى حلقة قادمة