لندن : ربما يكون على كل من ظن أن الزعيم الليبي معمر القذافي سيرحل في هدوء كما رحل زعيما مصر وتونس أن يعيد التفكير.. فالقذافي لم يتورع يوما عن اراقة الدماء وقد تكون نهايته دموية بالمثل. وأوضح القذافي هذا الاسبوع أنه يعتزم مواصلة القتال وقال محللون ليبيون بارزون ان تغيير النظام لن يأتي الا اذا أجبره المقربون منه على التنحي. ويقول خبراء ان القذافي يؤمن بشدة بأنه تجسيد لبلاده وانه يفضل أن تسقط ليبيا على الرضوخ لانتفاضة بدأت منذ أسبوعين ضد حكمه الشمولي المستمر منذ 41 عاما. وقال فواز جرجس استاذ سياسات الشرق الاوسط بكلية الاقتصاد بلندن "هناك خطر حقيقي وهو أن ليبيا تنزلق نحو حرب أهلية طويلة ومطولة." وأضاف "من خلال كل ما رأيناه حتى الان القذافي في مأزق ظهره للحائط وليست لديه استراتيجية للخروج. سيقاتل حتى النهاية المريرة على الارجح." وأخذ القذافي بزمام المبادرة على الارض فيما يبدو من خلال شن هجوم بري وجوي على المحتجين المسيطرين على بلدة البريقة النفطية بشرق ليبيا. ويتسلح المحتجون والقوات الموالية للقذافي ويستعدون لقتال طويل كما يسلح الجانبان السكان والقبائل. وقال جرجس ان القذافي في الايام الاخيرة "امتص الصدمة الاولى فيما يبدو. انه يعزز قاعدة نفوذه المحدودة." وأضاف "نظام القذافي يعد نفسه لقتال طويل. لديه أصول عسكرية ومالية كافية." ويقول خبراء ان على الرغم من أن القذافي فقد السيطرة على أجزاء كبيرة من شرق البلاد فانه يفضل فيما يبدو أن يحول ليبيا الى أنقاض كما حدث في الصومال على أن يتخلى عن الحكم. وقال سعد جبار وهو محام جزائري مقيم في لندن كان قد شارك في المفاوضات الخاصة بتفجير لوكربي "القذافي اختصر الشعب الليبي في شخصه." وأضاف "هدف القذافي سيكون احداث فوضى واشعال حرب أهلية في البلاد او تحويلها الى صومال اخر. دولة مقسمة بلا سلطة مركزية يظل يمثل فيها قوة." ومضى جبار يقول "القذافي لديه حاويات من الدولارات وبنادق لتسليح الناس ولديه أنصار. كلما أحدث فوضى كلما كان هذا أفضل (بالنسبة له)." وتابع قائلا "رسالته هي أنا ومن بعدي الطوفان. اذا أجبرتوني على التنحي سأترك اما دولة مقسمة او دولة في حرب أهلية مثل الصومال." واندلعت في ليبيا الانتفاضة الاكثر دموية ضد الحكام الشموليين في المنطقة بعد اعتقال محام معني بالدفاع عن حقوق الانسان في بنغازي يوم 14 فبراير شباط. وانتشرت الانتفاضة سريعا اذ يطالب ليبيون من جميع دروب الحياة من مهنيين وأكاديميين ورجال قبائل وجنود سابقين وطلبة بانهاء حكم القذافي القمعي. ولم يختبر الليبيون الديمقراطية منذ الاطاحة بالملك ادريس السنوسي وأنشاء دولة بوليسية عام 1969 . ونجح الزعيم الزئبقي في التشبث بالسلطة من خلال جهاز أمني شكل بعناية. ومازالت الصحافة مكممة على الرغم من تخفيف محدود للقيود في الاعوام الاخيرة اما حرية التعبير فلا وجود لها والاحزاب السياسية محظورة. وبعد 41 عاما من القمع وصل الاستياء الى درجة الغليان. علاوة على ذلك يرى كثير من الليبيين وزعماء العالم ان القذافي الضابط السابق بالجيش هو يد الشر وراء الارهاب داخل البلاد وخارجها. وأنفق القذافي الكثير من أموال النفط الليبي على تمويل العناصر المسؤولة عن حوادث خطف وقتل وعلى جماعات تسعى الى اغتيال معارضين وزعزعة استقرار الحكومات الموالية للغرب في افريقيا. والانتفاضة الليبية ليست الاكثر دموية والاعلى تكلفة فقط لكنها أيضا أطول من انتفاضتي تونس ومصر مما يزيد خطر نشوب حرب عرقية قد تؤدي الى شرذمة البلاد والتسبب في أزمة انسانية وتعريض امدادات النفط لمزيد من الخطر. وفي مصر وتونس حسمت النخبة العسكرية القوية نتيجة الانتفاضتين في نهاية المطاف ليترك الرئيسان المصري حسني مبارك والتونسي زين العابدين بن علي الحكم. لكن في ليبيا هناك هياكل غامضة ومعقدة للسلطة القبلية وهي التي قد تحسم كيف ستسير الاحداث. وحرص القذافي الذي صعد الى الحكم من خلال الجيش على اضعاف جيشه حتى لا يهدده قادته بعد محاولات انقلاب فاشلة وقعت على فترات. وقال جبار مشيرا الى القذافي "انه يعلم من تجربته الشخصية أن الانقلابات يقوم بها الجيش لهذا أغلق الطريق امام اي انقلاب محتمل منذ وقت طويل. سرح الجيش وأنشأ بدلا منه ما سماه الجيش الشعبي." وكون الزعيم الليبي كتائب مسلحة جيدا ومحكمة بقيادة ابناء قبيلة القذاذفة التي ينتمي اليها وقبيلة المقارحة التي يتزعمها عبد الله السنوسي صهره وساعده الايمن. ويتفق الخبراء على أن جزءا من التفسير لصمود القذافي يرتبط بأن ابناءه مسؤولون عن أمنه كما يشغل ابناء قبيلته أهم المناصب. وقال جبار "وحداته من الموالين الاشداء وتقوم على ذوي القربى وروابط الدم والتي تمثل للقذافي أهمية اكبر من الايديولوجية. ابنه خميس مسؤول عن وحدة خاصة بالجيش." ويقول من هم على معرفة بالقذافي انه صانع القرار الاوحد وله سلطة مطلقة لا يفوض اي صلاحيات لاي أحد ولا حتى لابنائه. على الارض يبدو ميزان القوى متكافئا. يسيطر القذافي وقواته على العاصمة طرابلس وبعض المدن القريبة فضلا عن سرت مسقط رأسه الى الشرق والتي توجد بها ترسانات كبيرة وقواعد الهدف منها حماية البنية التحتية النفطية. ويسيطر المحتجون على بنغازي ومصراتة والزاوية وجبل نفوسة جنوب غربي طرابلس. وقال جورج جوف خبير شؤون الشرق الاوسط بجامعة كيمبردج " القذافي لم يستسلم. الهجوم الذي شنه على البريقة مؤشر على اعتزامه المواصلة." وعلى الرغم من انشقاق أعداد كبيرة من القبائل فان البعض لايزال يسانده بما في ذلك قبيلة القذاذفة التي ينتمي اليها. وقال جوف "القوات على الارض ربما تكون متوازنة. يمكن أن تستمر لبعض الوقت. اذا كنت مسيطرا على بنغازي فانك تسيطر على (منطقة) برقة" الشرقية. وقال عمرو موسى الامين العام لجامعة الدول العربية ان الرئيس الفنزويلي هوجو تشافيز طرح خطة لحل الازمة. وقالت فنزويلا ان القذافي قبلها لكن لم يرد تأكيد. وكان المحتجون قد قالوا انهم لن يتفاوضوا مع القذافي وردهم على الخطة غير معلوم. ومن السيناريوهات الممكنة من أجل خروج سلمي ابرام اتفاق قبلي. وقد ينطوي هذا على أن يجمع ابناء القذافي وابنته والسنوسي على تنحيته جانبا حتى يتسنى لقبيلتي القذاذفة والمقارحة وضباط سابقين وشخصيات مرموقة خوض محادثات مع قبائل الشرق لتوفر للقذافي ممرا امنا للتقاعد بمسقط رأسه سرت. وتستطيع بدورها أن تقدم تعهدات بضمان أمن العائلة. الخيار الثاني المتاح له هو السفر الى الخارج على أن يتمتع بالحصانة من المحاكمة. لكن هذا الخيار قد لا يكون ممكنا بعد أن قالت المحكمة الجنائية الدولية انه قد يتم التحقيق مع القذافي وعدد من أفراد بطانته بزعم ارتكاب قوات الامن جرائم ضد المدنيين. وقال جوف انه يتوقع الاطاحة بالقذافي في نهاية المطاف في انقلاب قصر اي من الدائرة المقربة منه. وأضاف "سينتهي الامر اذا توقف الدعم الداخلي الذي يحصل عليه من أسرته والقبائل وكتيبته او ووحدته العسكرية. اذا أوقفوا دعمهم سينتهي أمره... لن ينتهي الامر نهاية جيدة." (رويترز) - من سامية نخول 04 مارس 2011