اتصالات تونس: بنية أساسية جاهزة لذكاء اصطناعي مستدام وموثوق    بمناسبة اليوم العالمي دون شراء: المنظمة التونسية لترشيد المستهلك تدعو الى كبح دوامة الاستهلاك المفرط    مونديال السيدات لكرة اليد: المنتخب التونسي يشدّ الرحال إلى هولندا بقائمة من 18 لاعبة    الليلة: من الشمال للعاصمة حالة غير مستقرّة تستحق الحذر    4 خرافات متداولة عن جرثومة المعدة.. علاش تتكرر الإصابة؟    مرضت بالقريب.. شنوا الماكلة اللي تبعد عليها؟    غريب: بعد شهر واحد من الزواج رجل يخسر فلوسو الكل    فيزا فرنسا 2025: مشاكل، احتيال، وما يجب على كل تونسي معرفته    عاجل: هذا هو برنامج كأس العرب 2025: كل المباريات والأوقات    سنويّا: تسجيل 3000 إصابة بسرطان الرئة في تونس    اسبانيا : مبابي يعادل رقم رونالدو وبوشكاش ودي ستيفانو مع ريال مدريد    أبطال إفريقيا: الكشف عن هوية حكم بيترو أتلتيكو الأنغولي والترجي الرياضي    من بين المرشحين جعفر القاسمي.. صناع الأمل 2026: دعوة لأبطال الإنسانية في الوطن العربي    عاجل: وزارة الصحة تنبهك ...أعراض التسمم من الغاز القاتل شوف العلامات قبل ما يفوت الفوت    عاجل: وزيرة العدل تُفرج عن سنية الدهماني    ندوة اقليمية حول آفاق تصدير زيت الزيتون الاقليم الثالث يوم 3 ديسمبر 2025 بسوسة    ولاية سوسة: نحوإعادة تشغيل الخط الحديدي القلعة الصغرى – القيروان    عاجل : الكشف عن هوية هجوم واشنطن    شوف أعلى الكميات متع الأمطار    وزارة النقل: اقرار خطة تشاركية تمكن من الانطلاق الفعلي في مزيد تنشيط المطارات الداخلية    وزارة البيئة: تركيز 850 نقطة اضاءة مقتصدة للطاقة بمدينة القيروان    عاجل: البنك الدولي يتوقع انتعاش الاقتصاد التونسي و هذه التفاصيل    المرصد الوطني لسلامة المرور يدعو مستعملي الطريق الى التقيد بجملة من الاجراءات في ظل التقلبات الجوية    تونس تعزّز تشخيص سرطان الثدي بتقنيات التلّسَنولوجيا والذكاء الاصطناعي...شنوّا الحكاية وكيفاش؟    القضاء البنغالي يصدر حكما جديدا بحق الشيخة حسينة    الحماية المدنية : 501 تدخلات خلال 24 ساعة الماضية    سريلانكا.. مصرع 20 شخصا وفقدان 14 بسبب الأمطار الغزيرة    عاجل/ 16 قرار غلق لهذه المراكز..    24 سنة سجناً مع النفاذ العاجل للمدير العام السابق لشركة الحلفاء و6 سنوات للكاتب العام الجهوي السابق لاتحاد الشغل بالقصرين    عاجل: معهد الرصد الجوي يعلن اليقظة الصفراء في عدة الولايات    حظر للتجول واقتحامات.. الجيش الإسرائيلي يواصل عملياته في طوباس    الجمهور يتأثر: الإعلامية المصرية هبة الزياد رحلت عن عالمنا    البنك المركزي التونسي يعزّز شراكته مع البنك الإفريقي للتصدير والتوريد من أجل فتح آفاق تعاون أوسع داخل إفريقيا    عاجل : لسعد الدريدي مدربًا جديدًا للملعب التونسي    أرسنال يهزم بايرن ميونيخ وينتزع صدارة رابطة أبطال أوروبا    الاولمبي الباجي - نصف شهر راحة للمدافع الغيني شريف كامارا بعد تدخل جراحي على مستوى اليد    تهديد إعلامية مصرية قبل وفاتها.. تفاصيل اللحظات الأخيرة في حياتها    محرز الغنوشي يُبشر: ''ثلوج ممكنة بالمرتفعات والاجواء باردة''    زلزال بقوة 6.6 درجة يهز جزيرة سومطرة الإندونيسية    حريق هونغ كونغ.. 44 قتيلا واكثر من 200 مفقود    بين الرّموز والواجهات الافتراضية ..الحبّ تحت طبقات من الضجيج الرقمي    البنك الدولي يتوقع انتعاش الاقتصاد التونسي في 2025 بنسبة 2.6%    أرق    من قتل النقد الأدبي؟    انهزامك مستحيل    عاجل/ وفاة مسترابة لمحامية داخل منزلها: تطورات جديدة في القضية..    وزارة الداخلية تنتدب حفّاظ أمن: شروط وآليات الترشّح    غرفة مصعني المرطبات تنبه    طقس الليلة.. بارد مع امطار غزيرة بهذه المناطق    علاش بكات إلهام شاهين في مهرجان شرم الشيخ    ارتفاع عدد وفيات فيروس ماربورغ في إثيوبيا    طقس اليوم: أمطار غزيرة والحرارة في انخفاض    اليونسكو تطلق مشروعا جديدا لدعم دور الثقافة في التنمية المستدامة في تونس بقيمة 1.5 مليون دولار    "سينيماد" تظاهرة جديدة في تونس تقدم لعشاق السينما أحدث الأفلام العالمية    عاجل: هذا موعد ميلاد هلال شهر رجب وأول أيامه فلكياً    جائزة عربية مرموقة للفاضل الجعايبي في 2025    في ندوة «الشروق الفكرية» «الفتوى في التاريخ الإسلامي بين الاجتهاد والتأويل»    اليوم السبت فاتح الشهر الهجري الجديد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عيد المقاومة والتحرير:بدء الحصاد الآخر
نشر في الشروق يوم 27 - 05 - 2018

عندما وقف السيد حسن نصر الله بين الحشود الغفيرة المحتفلة معه بالنصر في العام 2000 وأهدى النصر لكلّ لبنان ولكلّ العرب ولكلّ المسلمين ولكلّ الأحرار في العالم، وأوحى من سياق كلامه الواضح أنه لن يستثمر هذا النصر في الداخل ولن يصرفه من أجل مصالح فئوية ومناطقية أو سواها، شكّل يومها موقفه مفاجأة لكلّ معنيّ، حيث إنّ المعتاد في مثل هذه الظروف أن يتمسك صانع النصر بانتصاره ويصرفه في الداخل موقعاً وسلطة وسيطرة ونفوذاً تكافئ شيئاً من الدماء والعرق والجهود والتضحيات التي بذلها في سبيل صنعه.
بيد أنّ الأمور في لبنان. ورغم هذا الموقف النبيل الكبير النادر الحصول عادة في العالم، الأمور سارت في غير اتجاه، وبدلاً من أن يتلقف الجمع اللبناني كله هذا الموقف الشهم لسيد المقاومة ويضع يده بيده، لاستثمار الانتصار لمصلحة لبنان، اتجه بعضه المكابر الى الخارج من أجل الكيد للمقاومة التي كانت ولا زالت حاجة لبنانية دفاعية استراتيجية لا يبدو أنّ بمقدور لبنان في المنظور من السنين أن يستغني عنها.
وعليه وبدل أن تتجه المقاومة لصرف انتصارها في موقع مناسب لها في السلطة والحكم شغلت بالاضطرار للمحافظة على نفسها وسلاحها أمام تحشد الخصوم والأعداء ومناوراتهم ومؤامراتهم التي انفجرت حرباً عليها في العام 2006 شنّها جيش العدوان الإسرائيلي، ثم كانت الحرب الناعمة على المقاومة في العام 2008 بيد رسمية لبنانية مثلتها حكومة لبنان برئاسة فؤاد السنيورة، الى ان كانت الحرب الكونية الشاملة على المقاومة ومحورها في العام 2011 التي استهدفت سورية.
وخلال العقدين الماضيين تعرّضت المقاومة في لبنان ومحورها في الإقليم لأبشع أنواع التآمر والحروب التي تبغي اقتلاعها كلياً، ومن أجل ذلك صيغت القرارات الدولية واتخذت التدابير الانتقامية المسمّاة عقوبات غربية أميركية حتى ودولية. وفتحت الجبهات النارية بحروب البدلاء إرهاباً أو الأصلاء عدواناً مباشراً على المقاومة ومحورها، لكن محور المقاومة بمكوّناته الصادقة كلها أبدى من الصلابة والشجاعة والقوة ما أفشل كلّ ما سبق ذكره واتخذ ضدّه. وأكدت المقاومة مواقفها في كلّ ميدان دخلت فيه، أنها تملك الإرادة والقوة والاقتدار على هزيمة العدو وإفشال الخصم والمحافظة على وجودها وسلاحها وقوتها وقدرتها اللازمة لمواجهة التحديات كافة.
لقد خاضت المقاومة ومحورها المواجهة الدفاعية عن ذاتها ووجودها وقدراتها ودورها في ظروف معقدة بالغة الخطورة، مواجهة أدّت الى خسائر بحجم مؤلم جداً حتى كادت توحي للخصوم والأعداء بأنّ حربهم ستحقق أهدافها، لا بل وصل البعض منهم للقول بانّ الحرب على المقاومة ومحورها نجحت وإنْ هي الا أيام ويعلن الإجهاز عليها. لكن محور المقاومة لم يؤخَذ بما يقولون وما يعلنون، واستمرّ في المواجهة دون حساب للتضحيات مصراً على النصر مهما كان حجم التضحية، وما إن راح العقد الثاني للحرب المتعدّدة الوجوه يهمّ بالأفول حتى كان المشهد الوطني اللبناني والإقليمي والدولي يرتسم بصورة تنبئ بأنّ محور المقاومة حقق أهدافه في حربه الدفاعية أولاً ثم أنه يتحضّر لا بل إنه بدأ بحصاد شيء من نتائج تلك الانتصارات في أكثر من ميدان.
وإذا كان المجال لا يتّسع هنا للحديث عن إنجازات محور المقاومة إقليمياً وقد يكون له عرض في وقته، فإننا نكتفي بذكر انتصار سورية الأسطوري الذي تكلّل مؤخراً بتطهير النطاق الأمني لدمشق في دائرة شعاعها 60 كلم، والنطاق الأمني السوري الأوسط وصولاً الى شمال حمص وجنوب حماه تطهيرهما من الإرهاب وحصر معركة التحرير بالقطاعات الحدودية الأربعة التي سيكون لكل منها أسلوبه الملائم للتحرير.
وبعد هذه الإشارة نعود الى لبنان وهو الذي يحتفل اليوم بعيد المقاومة والتحرير للسنة ال 18 على التوالي حيث نسجل في المشهد ما يلي:
أولاً: على صعيد السلبيات: وفيها يكون لا بد من البدء بذكر استمرار الاحتلال الإسرائيلي لمزارع شبعا وتلال كفر شوبا والجزء اللبناني من الغجر الذي عادت «إسرائيل» واحتلته في العام 2006، كما احتلت معه أيضاً أراضي لبنانية في أكثر من منطقة ونقطة على الحدود مع فلسطين المحتلة. وهي المناطق التي حاولت الأمم المتحدة أن تمنحها ل«إسرائيل» في العام 2000 لدى قيام وفدها بمهمة التحقق من الانسحاب الإسرائيلي الى جانب فريقنا اللبناني العسكري الذي كان برئاستي، وأفشلنا سعيها يومها، وأكدنا لبنانية تلك المناطق فاعترفت الأمم المتحدة بذلك في نقاط عشر ورفضت في نقاط ثلاث فتحفّظنا على ذلك. وبعد حرب 2006 عادت «إسرائيل» ومعها الأمم المتحدة لطرح مسألة النقاط ذاتها باعتبارها نقاطاً متنازعاً عليها. وكاد المسؤول اللبناني يقع في الفخ، لكن إصرارنا على توضيح الحقائق ساهم في وضع الأمور في نصابها ما أدّى الى الموقف اللبناني الرسمي الاجتماعي اليوم القائم على القول إنّ هذه المناطق التي توجد فيها «إسرائيل» هي ارض محتلة وليست أرضاً متنازعا عليها أو متحفظاً عليها. ولذلك نرى ان يكون التعامل معها وفقاً لهذا المفهوم حصراً.
أما السلبية الأخرى فتتمثل في انتهاك «إسرائيل» شبه اليومي للسيادة اللبنانية الجوية واستعمال الأجواء اللبنانية كحقل تدريب لطيرانها ومنصة اعتداء على سورية والادّعاء، بكلّ وقاحة وفجور، أنّ لها مصالح استراتيجية في الأجواء اللبنانية لا بدّ من الاحتفاظ بها، سلبية لا نرى علاجاً لها إلا في امتلاك لبنان منظومة دفاع جوي فاعلة تغلق أجواءه في وجه أيّ عدو، ولكن هل يجرؤ لبنان على ذلك؟
تبقى السلبية الثالثة وهي الممثلة بمواقف فئات لبنانية تنصاع للخارج العامل لمصلحة «إسرائيل» وتطالب بنزع سلاح المقاومة، والزعم بعدم مشروعيته. صحيح ان المقاومة لا تتوقف كثيراً عند أبواق مأجورة مرتهنة لمصالح أجنبية ضد المصلحة الوطنية، لكن مجرد وجود مثل هذه الأصوات التي صفعتها أصوات الشعب اللبناني في صناديق الاقتراع وسفّهتها، أي مجرد وجود هذه الأصوات المنكرة والجاحدة يشكل علامة سلبية في المسار الوطني.
أما الحصاد الذي نتكلم عن بدئه في لبنان فنستطيع ذكر عناوين فيه كالتالي:
1 إرساء معادلة الردع الاستراتيجي مع العدو الإسرائيلي. وهي معادلة حققت الأمن والاستقرار للبنان عامة وللجنوب خاصة.
2 حماية لبنان من الإرهاب ومنع تسلله اليه وإبقاء لبنان بمنأى عن نيران الحرب الكونية التي استهدفت سورية والمنطقة.
3 نجاح المقاومة في لبنان في تحقيق فوز من دعمت لرئاسة الجمهورية العماد ميشال عون، الذي يتمسك بالثوابت الصريحة الواضحة التي ترى في المقاومة عنصر قوّة للبنان لا يستغنى عنه. ويرى أنّ أفضل استراتيجية دفاعية ملائمة للبنان هي استراتيجية الشعب المقاوم.
4 نجاح المقاومة وحلفائها في اعتماد قانون انتخاب على أساس النسبية، وهو رغم ما فيه من ثغرات وشوائب أدّى الى كسر الاصطفاف الذي حصل بعد اغتيال رفيق الحريري وأدّى الى استباحة لبنان للتدخل الأجنبي.
5 نجاح المقاومة وحلفائها في الانتخابات النيابية في حصد مقاعد تتعدّى الأكثرية المطلقة من مجلس النواب، ما يمكنها في حال المماطلة أو العرقلة من قبل الفريق الآخر أو تمنّعه عن تسهيل العمل على تشكيل حكومة وحدة او ائتلاف وطني يتمكن من الذهاب الى حكومة أكثرية.
6 أما الإشارة البالغة الدلالة فقد كانت في الجلسة الأولى لمجلس النواب الجديد، حيث شكّل مكتب المجلس رئيساً ونائباً للرئيس وأعضاء خمسة في مشهدية تظهر وضوحاً عزلة الفريق المنقاد سعودياً وأميركياً وعجزه عن فرض أيّ شيء يريده ما أدّى الى غضب وانفعال ممثلي المصالح الغربية في لبنان وانشراح فريق المقاومة والمتمسّكين بسلاحها. وظهر جلياً انّ الانقلاب الدموي الإجرامي المسمّى «ثورة» في العام 2005 انتهت مفاعيله كلياً اليوم وسطّرت المؤسسة الدستورية الأمّ ورقة نعي العدوان على لبنان الذي بدأ بقتل رفيق الحريري. وبعد هذا يأتيك مَن يسأل هل سيكون للمقاومة وجود في الحكومة الجديدة؟ طبعاً، إنه سؤال لا يستحق النظر، فمتى كان المنتصر ينتظر إرادة المهزوم ليقرّر له؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.