كان النبي صلى الله عليه وسلم أجودَ الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن. إن القرآن يأخذ بالنفس من واقعها الأرضي ويرتفع بها عاليا في سماء اليقين ويعرج بها إلى مدارج المتقين، فعندما يستمع العبد إلى قوله تعالى: {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ} [آل عمران: 92]، وإلى قوله تعالى: {وَلاَ يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً وَلاَ يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [التوبة: 121] فيبادر العبد وينفق ما يستطيع وإن كان قليلا.. وإن كان غير ذي سعة فالله سبحانه يقبل من العبد أقل القليل، وفي الحديث (اتق النار ولو بشق تمرة)، وعن أبي هريرة -رضي الله عنه –قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب، ولا يقبل الله إلا الطيب، فإن الله يتقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل)، فيطمئن العبد لذلك ويثق فيما عند الله أكثر مما في يده، فقد روي عن أمنا عائشة –رضي الله عنها– أنهم ذبحوا شاة "فقال النبي –صلى الله عليه وسلم– (ما بقي منها؟ قالت: ما بقي منها إلا كتفها، فقال: بقي كلها غير كتفها). كذلك "كان النبي -صلى الله عليه وسلم– أعظم الناس صدقة بما ملكت يده، وكان لا يستكثر شيئا أعطاه لله تعالى ولا يستقله، وكان لا يسأله أحد شيئا عنده إلا أعطاه قليلا كان أو كثيرا، وكان عطاؤه عطاءَ من لا يخاف الفقر، وكان العطاء والصدقة أحب شيء إليه، وكان سروره وفرحه بما يعطيه أعظم من سرور الآخذ بما يأخذه.