لم تمر خمس سنوات على حصار الفرنج لدمياط حتى هاجم اهل صقلية من الافرنج الاسكندرية وكان ذلك في اواخر عام 569 هجري ونزل الاسطول على الشاطئ وحملت مراكبهم الفا وخمسمائة فرس وكان عدتهم ثلاثين الف مقاتل بين فارس وراجل مجهزين بآلات الحرب والحصار وبالمراكب والطرائد والمجانيق والمؤن. وعندما نزلوا الى الساحل قتلوا خلقا كثيرا واغرقوا سفن المسلمين التي وجدوها في الميناء ونصبوا في البر ثلاثمائة خيمة ثم زحفوا لمحاصرة الاسكندرية. وكان صلاح الدين في ذلك الوقت في فاقوس وعرف اخبارهم ونزولهم في اليوم الثالث فشرع في تجهيز العساكر واعداد آلات القتال لمنازلتهم والتحم الفريقان واستمر القتال حتى عصر اليوم الرابع من نزولهم فلم يمض الليل حتى اغرق سفنهم وقتل كثيرا منهم .وغنم جيش صلاح الدين كثيرا من الالات والامتعة والاسلحة. هكذا استطاع صلاح الدين ان يثبت قدرته على حماية مصر من عدوان الفرنج ومؤامرتهم مرتين في فترتين متلاحقتين وهو ما جعل اهالي مصر يعتبرونه مخلصهم وقائدهم ويحملون له من الحب والاحترام والتعظيم الشيء الكثير . بعد ان قضى صلاح الدين على المؤامرات الداخلية والخارجية واستأصل شأفتها وقلع جذورها وثبت اقدامه في مصر اراد ان يتقدم خطوة حين رأى البلاد يبالغ اهلها في التشيع لآل البيت فبادر الى الدعوة الى سيرة أهل السنة والجماعة التي هي عقيدة الاكثرية الساحقة من ابناء العالم الاسلامي فأسس مدرستين كبيرتين المدرسة الناصرية والمدرسة الكاملية حتى يحول الناس الى المذهب السني ويمهد البلاد للتغيير الذي يريده ولقد صادفت رغبته هذه الحاح نورالدين بتغيير خطبة يوم الجمعة وجعلها باسم الخليفة العباسي المستضيء بدل الخليفة الفاطمي العاضد. ورأى صلاح الدين من الحكمة انتظار الفرصة الملائمة في تبديل الخطبة ريثما يتم له الدعوة السنية من جهة ويتمكن من جذب جميع المصريين الى جانبه من جهة اخرى . فلما مرض الخليفة الفاطمي العاضد وكثر الالحاح من نورالدين جمع خاصته واستشارهم فقام من وسط القوم عالم اعجمي يقال له الامير العالم وأخذ على عاتقه القيام بالامر كله ثم أخذ سبيله الى المسجد وخطب للخليفة العباسي فأمر صلاح الدين اتباعه بعدم اخبار الخليفة الفاطمي لمرضه وقال للناس ان عوفي فهو يعلم وان توفي فلا ينبغي ان نفجعه بمثل هذه الحادثة قبل موته وقوبلت الخطبة للخليفة العباسي بسكون وهدوء عجيب " ولم ينتطح فيها عنزان" كما قال ابن الاثير في تاريخه. وتوفي العاضد وبوفاته انقرضت الدولة الفاطمية في مصر وكان ذلك سنة 567 هجري 1171 ميلادي. وبموت العاضد اصبح صلاح الدين سيد مصر وليس لاحد فيها كلمة سواه فقام بمأتم العاضد وقبل التعازي ثلاثة ايام واكرم اهله واحسن اليهم فكانوا محل رعايته وعنايته الفائقة . يتبع