يعتبر شهر رمضان الكريم فرصة كبيرة ورائعة لإصلاح المتخاصمين وتضميد الجراح ومناسبة لتصافي القلوب وردم النزاعات بين الناس، لأن الخلافات تبدأ بين الناس بسيطة كلمات ثمّ صرخات ثمّ شتم وسبّ ثمّ لعن فتشابك فلكم ولربّما ثأر . الخصومات مثل النار وأوّل النار من مستصغر الشرر، يسهل إطفاؤها إذا كانت شررا بسيطا ويستحيل إطفاؤها إذا أصبحت لهيبا، وكذلك الخلافات تكون بسيطة ومحدودة وبتهاون الأطراف، وبتهويل شياطين الإنس والجنّ يمكن أن تصبح الخلافات عداوات وحروبا وفتنا قاتلة، ويفعل الأخ بأخيه ما لا يفعله العدو بعدوّه، خاصة وأنّ الإسلام يبغض الفتن ويحرّم إشعالها ويلعن من يوقظها بين المسلمين يقول النبي ( الفتنة نائمة لعن الله من يوقظها ). . إنّ الإسلام أمر بالصلح لأنّ فيه كلّ الخير ولا يجلب إلا المنفعة، وبالمقابل فإنّ التعنّت ورفض الإصلاح والتصالح واتباع الشيطان لا يجلب لصاحبه إلا الشرّ والضرّ والهلاك ولهذا فقد حثّنا القرآن العظيم في كثير من الآيات على التصالح والعفو والصفح وترك المراء,منها قوله تعالى :(وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) (فصلت:34) فقد يختلف الزوجان وهذا أمر طبيعي فليكن الإصلاح سبيلا لإرجاع المياه إلى مجاريها . فالالتجاء إلى القطيعة والغضب والعنف أو الانفصال والطلاق هو منهج الضعفاء الذين استسلموا إلى الشيطان عدو الإنسان وقد يتعنّت الزوج والزوجة وهنا يأتي دور الأقارب وأهل البرّ للتدخّل بالحسنى والإصلاح بين الطرفين . قال تعالى : (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَما مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَما مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيما خَبِيرا) (النساء:35)عند ذلك قد يثوب الطرفان إلى رشدهما فيصلحا ما كادت تفسده الأيام من ودّ ومحبّة ووئام يكون أوّل المتضررين من ذلك الخصام الأطفال.لهذا فإنّ من تدخّل بالحسنى بين الزوجين وأطفأ نار الفتنة وذكّر كلّ طرف بواجبه نحو الآخر انطلاقا من الحبّ لهما والشفقة عليهما وأداء واجب النصيحة حتى وإن زاد في الثناء وكتم ما يزيد العلاقة تعكّرا هو مأجور لأنّ دافعه هو الإصلاح . روى أبو داود عن أمّ كلثوم بنت عقبة أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال ( ليس بالكاذب من أصلح بين الناس فقال خيرا أو نمّى خيرا ). وما قلناه عن الزوجين ينسحب على الإخوة والأصدقاء وكذلك على الشركاء، فإصلاح ذات البين اعتبره النبي عليه الصلاة والسلام أفضل من صلاة النافلة وصيام النافلة ومن الصدقة أيضا . روى الترمذي عن أبي الدرداء قال:قال رسول الله :( ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة قالوا بلى يا رسول الله قال : إصلاح ذات البين فإنّ فساد ذات البين هي الحالقة لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين ) .