الصدقة في شهر رمضان شأنها أعظم وآكد ولها مزية على غيرها، وذلك لشرف الزمان ومضاعفة أجر العامل فيه، ولأن فيها إعانة للصائمين المحتاجين على طاعاتهم، ولذلك استحق المعين لهم مثل أجرهم، فمن فطر صائماً كان له مثل أجره، ولأن الله عز وجل يجود على عباده في هذا الشهر بالرحمة والمغفرة، فمن جاد على عباد الله جاد الله عليه بالعطاء والفضل، والجزاء من جنس العمل، والصوم لابد أن يقع فيه خلل أونقص، والصدقة تجبر النقص والخلل، ولهذا أوجب الله في آخر شهر رمضان زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغووالرفث، ولأن هناك علاقة خاصة بين الصيام والصدقة فالجمع بينهما من موجبات الجنة، قال صلى الله عليه وسلم : «إن في الجنة غرفاً يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها، قالوا: لمن هي يا رسول الله ؟ قال : لمن ألان الكلام، وأطعم الطعام، وأدام الصيام، وصلى بالليل والناس نيام» [رواه أحمد]. ولذلك حرص الصحابة والصالحون على زيادة البذل والإنفاق وخصوصاً تفطير الصائمين، وكان كثير منهم يواسون الفقراء بإفطارهم، وربما آثروهم به على أنفسهم، فكان ابن عمر يصوم ولا يفطر إلا مع المساكين، فإذا منعه أهله عنهم لم يتعش تلك الليلة، وكان إذا جاءه سائل وهوعلى طعامه أخذ نصيبه من الطعام وقام فأعطاه السائل فيرجع وقد أكل أهله ما بقي في الجفنة فيصبح صائماً ولم يأكل شيئاً، وكان يتصدق بالسكر ويقول : « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :{ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران 92]، والله يعلم أني أحب السكر»، وجاء سائل إلى الإمام أحمد، فدفع إليه الإمام رغيفين كان يعدهما لفطره، ثم طوى وأصبح صائماً.