توجه صباح أمس الأربعاء أكثر من 132 ألف تلميذ لاجتياز امتحان البكالوريا وسط مناخ من الاحباط يخيم على البلاد بسبب الصعوبات الاقتصادية والأزمة السياسية وغياب الأمل وهو أسوأ ما يمكن أن يصاب به شعب من الشعوب. ورغم بطالة آلاف الحاصلين على شهادات جامعية وارتفاع نسبة المنقطعين عن التعليم في السبع سنوات الأخيرة وانتشار ثقافة الاحباط و» الحرقة « والاحساس بانعدام جدوى التعليم أمام تنامي ثقافة الاستهلاك ، تبقى دائما البكالوريا حلما جميلا لاقتحام الحياة الجامعية التي ينتظرها كل شاب وتلميذ تونسي رغم كل الاحباط الذي نعيشه. بكالوريا هذا العام تتزامن مع حادث أليم تمثٌل في غرق أكثر من مائة شاب وهو ليس الحادث الأوٌل ولن يكون الأخير مادامت هناك مافيا عالمية واقليمية وتونسية تتاجر بأحلام الشباب وتستغل احساسهم بالاحباط للدفع بهم في مراكب الموت في المتوسط الذي يلتهم كل عام ألاف الشبٌان من تونس ودول المغرب العربي وافريقيا ، ذلك أن الحرقة مرتبطة أساسا بالمنظومة التربوية التي تعرف تراجعا غير مسبوق. فامتحان البكالوريا يطرح مرة أخرى ضرورة مراجعة شاملة ليس لبرامج التعليم فقط بل للمنظومة التربوية بشكل شامل وهذا لا يتعلٌق بوزارة التربية فقط بل بكل الوزارات المعنية وخاصة الثقافة والشباب والتعليم العالي ، فالتعليم كان مصعدا اجتماعيا يربي الشاب التونسي على قيم العمل والاجتهاد ويمنحه طاقة الحلم والأمل وهو ما يفتقر إليه الشاب التونسي اليوم ممٌا يجعله يفكٌر في الحرقة حتى وان كان ثمٌنها الموت غرقا. فالتعليم في تونس اليوم يواجه مجموعة من الإشكاليات في المضامين والأساليب البيداغوجية و تأهيل الإطار التربوي حتى يكون أكثر تلاؤما مع ما يعرفه العالم من تحوٌلات ، فعشرات الاختصاصات في الجامعة التونسية اليوم لا تحتاجها السوق التونسية ولا حتى الدولية وألاف العاطلين يحملون شهادات في اختصاصات لا تقدر سوق الشغل على استيعابهم. وأمام حالة الانهيار والتراجع للمنظومة التربوية في تونس لابد من اصلاحات جديٌة واستراتيجية مستقبلية لتخرج البلاد من هذا النفق فالشباب هو عماد مستقبل الشعوب ولا يمكن أن يبقى شبابنا موزعا بين حلم « الحرقة « ووهم « الجهاد « للقاء الحوريات في الوقت الذي تحتاج فيه البلاد الى العمل والانتاج وتحرير المبادرة وهذا ليس مسؤولية الشباب بل مسؤولية الدولة التي عليها أن تدفع البنوك لدعم المبادرات الشبابية في بعث المشاريع ومتابعتها والتخلي عن ترسانة الشروط التعجيزية والضمانات الخيالية التي حرمت الاف الشبٌان من بعث مشاريعهم وبالتالي تأبيد بطالتهم ودفعهم دفعا للهجرة للموت غرقا.