تونس – الشروق – كشفت حادثة قرقنة الأخيرة أن الصعوبات التي تواجهها حكومة الشاهد لا تهم فقط الوضع الاقتصادي والاجتماعي. بل تشمل ملفات أخرى عديدة أبرزها الشأن الأمني وملف الشباب.وإلى حدود الأيام الاخيرة كانت اغلب الانتقادات الموجهة الى حكومة يوسف الشاهد تتعلق أساسا بالوضع الاقتصادي والاجتماعي بعد ان تراجعت كل المؤشرات والارقام الى مستويات غير مسبوقة غير ان حادثة قرقنة أكدت أن الحكومة تعاني صعوبات عديدة وضعف واضح في إدارة مجالات أخرى ابرزها المجال الامني ومجال الشباب، إلى جانب الملفات التقليدية الاخرى وهي الصحة والتعليم والنقل. منظومة أمنية في المجال الأمني، طفت على السطح مؤخرا مشكلة الهشاشة الامنية بجهة صفاقس وتحديدا بجزيرة قرقنة والتي وصفها المتابعون بأنها أحد ابرز اسباب كارثة غرق مركب المهاجرين السرّيّين. حيث لم تتفطن السلط الامنية إلى التحضيرات التي جرت استعدادا لرحلة الموت بين صفاقسوقرقنة تضم حوالي 180 شخصا. وقد اعترفت الحكومة ضمنيا بذلك حيث وقعت أول امس إقالة عديد المسؤولين الأمنيين بصفاقسوقرقنة. كما أقال رئيس الحكومة أمس وزير الداخلية لطفي ابراهم ويبدو ان الحادثة المذكورة كانت من ابرز الاسباب أيضا. ورغم أن الأمن التونسي برز في السنوات الاخيرة بعمله البطولي في مجال مكافحة الارهاب ودفع من أجل ذلك شهداء وجرحى وفي مجال التصدي لكل اشكال الفوضى والاجرام وتنظيم حياة الناس، إلا ان بعض الاخلالات التي تحصل بين الحين والآخر تدفع إلى التساؤل إن كانت الحكومة تولي العمل الامني الأهمية التي يستحقها. فعديد الامنيين تذمروا سابقا من ظروف العمل خاصة عدم توفر الامكانات المادية والبشرية للتدخل عند الحاجة. كما تذمروا ايضا من تحميلهم مسؤوليات تدخلاتهم الامنية وايضا من عدم توفر الحماية اللازمة لهم وهو ما يجعل بعضهم يخشى من تحمل المسؤولية في بعض الاحيان خوفا من المحاسبة والسجن. ويرى الخبراء ان الحكومة عادة ما تتميز بعدم الجرأة والشجاعة في معالجة بعض الملفات ذات الطبيعة الامنية ولا تبدي خلال بعض الازمات إرادة سياسية حقيقية من شأنها ان تشجع الامنيين على القيام بواجباتهم بكل دقة وحرفية وبلا خوف. وبذلك يمكن القول ان الحكومة تتحمل نسبيا المسؤولية في ما يتعلق ببعض المشاكل التي تواجهها سياستها الامنية ويتعين عليها مراجعتها. شباب مُهمّش إلى جانب الاقتصاد والامن والمجالات الاخرى الحياتية، كشفت كارثة غرق مركب "الحارقين" بقرقنة أن سياسة الحكومة تجاه الشباب ضعيفة للغاية ولا يمكنها ان تلبي طموحات الشباب وتمنعهم من الاقدام على مثل هذه المخاطر او على مخاطر اخرى من قبيل الانتحار والتطرف والاجرام وعدم المشاركة في الشأن العام. فمنذ عامين لم تسع الحكومة الحالية إلى الاهتمام بمشاغل الشباب والى تقديم التشجيعات اللازمة لهم إما للدراسة بشكل جيد او للترفيه أو لبعث مشاريع وموارد رزق. فالتعليم أصبح في مواجهة مخاطر عديدة أبدت الحكومة تراخيا كبيرا في مواجهتها (الانقطاع المدرسي - العنف المدرسي – المخدرات – البنية الاساسية للمدارس والمعاهد – ازمات نقابات التعليم..) وهو ما اصبح يساهم في نفور الشاب من التعليم فينقطع ويتوجه نحو المخاطر المذكورة آنفا. كما لم تعمل الحكومة الحالية على توفير اسباب الترفيه للشباب خاصة في المناطق الداخلية التي لا يجد فيها ابناؤها ما يشجعهم على البقاء فيها او مواصلة الدراسة او بعث مشروع، رغم ان أطرافا عديدة نبهت الى الخطر منذ سنوات لكن دون جدوى. واكثر من ذلك لم تعمل الحكومة على تحريك الاستثمار بتلك الجهات بما من شأنه ان يوفر مواطن شغل للشباب العاطل ويحصنهم تجاه مخاطر الاجرام و"الحرقة" والادمان.. ولم تنفذ الحكومة بالتوازي مع ذلك ايضا برنامجا حقيقيا للتشجيع على بعث المشاريع الخاصة حيث مازال العمل جاريا بالتعطيلات الادارية المعهودة ومازال الشباب يعاني مشكل توفير التمويل وسط غياب حلول من الحكومة لذلك.