سورة الجاثية هي السورة الخامسة والأربعون بحسب ترتيب سور المصحف العثماني، وهي السورة الخامسة والستون بحسب ترتيب النزول، نزلت بعد سورة الدخان وقبل الأحقاف، وهي مكية. سميت هذه السورة في كثير من المصاحف وكتب التفسير وفي «صحيح البخاري» سورة الجاثية، معرّفاً باللام. وتسمى حم الجاثية، لوقوع لفظ جاثية فيها، في قوله تعالى: «وترى كل أمة جاثية»الجاثية:28 ولم يقع في موضع آخر من القرآن، قال ابن عاشور: «واقتران لفظ الجاثية بلام التعريف في اسم السورة مع أن اللفظ المذكور فيها خُلِّيَ عن لام التعريف، لقصد تحسين الإضافة. وتناولت السورة العقيدة الإسلامية، وأفاضت في الحديث عنها، والتوسع في تحقيقها، فتكلمت عن الإيمان، والوحدانية، والرسالة المحمدية، والقرآن، والبعث، والجزاء. وتضمنت السورة المقاصد التالية: ابتدأت السورة التحدي بإعجاز القرآن، وأن القرآن تنزيل من الله العزيز الحكيم، فهو كتاب عظيم معجز، جاء بالحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. إقامة الأدلة على ربوبيته سبحانه وعظم سلطانه، وإثبات انفراده تعالى بالإلهية بدلائل ما في السماوات والأرض من آثار خلقه وقدرته وما فيها من نعم، يحق على الناس شكرها لا كفرها. تعليم للرسول صلى الله عليه وسلم أن يرشد المؤمنين إلى أن يغفروا للذين لا يؤمنون بالجزاء الرباني إيذاءاتهم، ففضائل أخلاق المؤمن، ومنها المغفرة جزء من الدعوة المجدية بيان أن الله عز وجل آتى بني إسرائيل الكتاب والحكم والنبوة، وأنعم عليهم نعماً كثيرة، ليحملوا رسالة الله للناس، لكنهم لم يكونوا صالحين لحمل الرسالة الربانية، فاصطفى سبحانه رسوله محمداً، وجعل أمته هي الأمة المختارة لحمل خاتمة رسالات الله للعالمين. وفي هذا تحذير ضمني للأمة المحمدية أن تفعل مثلما فعل بنو إسرائيل من قبل. وعيد الذين كذبوا على الله والتزموا الآثام بالإصرار على الكفر والإعراض عن النظر في آيات القرآن والاستهزاء بها. التنديد على المشركين جراء اتخاذهم آلهة وفق أهوائهم، وجحودهم البعث، وتهديدهم بالخسران يوم البعث، ووصف أهوال ذلك، وما أعد فيه من العذاب للمشركين ومن رحمة للمؤمنين. تضمنت السورة تحذيراً شديداً من اتباع الهوى والضلال على علم، إذ إن هذا الاتباع يختم على السمع والقلب، ويُغشي النظر، فلا يكون لصاحبه هداية، ويندفع في ضلاله وطغيانه، فينكر البعث والجزاء. وصفت السورة الذين يُعرضون عن آيات الله بالاستكبار والإعراض عن الاتعاظ والاعتبار، خلوداً إلى الدنيا، وغروراً بها، وكفراً بالله الذي خلقهم، وأحياهم، ثم يميتهم، ويجمعهم إلى يوم القيامة لا ريب فيه. وصف بعض أحوال يوم الجزاء، حيث تُدعى كل أمة إلى كتابها، لتلقى جزاءها، «فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيدخلهم ربهم في رحمته «الجاثية:30، «وأما الذين كفروا فيقال لهم: «أفلم تكن آياتي تتلى عليكم فاستكبرتم وكنتم قوما مجرمين»الجاثية:31 فاليوم جزاؤهم جهنم، لا يخرجون منها، ولا هم يستعتبون. تثبيت الرسول صلى الله عليه وسلم بأن شأن شرعه مع قومه كشأن شريعة موسى، لا تسلم من مخالف، وأن ذلك لا يقدح فيها، ولا في الذي جاء بها، وأن لا يعبأ بالمعاندين ولا بكثرتهم، إذ لا وزن لهم عند الله.