بدأت الإدارة الأمريكية منذ أيام في عمليات «تسخين» لما سمّتها صفقة القرن. وتعتزم في هذا الاطار إرسال مبعوث الى 4 دول عربية لبحث هذه الصفقة. وقد استثنت من هذه الجولة التي تشمل كلا من الأردن وقطر والسعودية ومصر الطرف الفلسطيني. وهي إشارة تكفي للتدليل على مضامين هذه الصفقة وعلى أنها ستكون على حساب الطرف الفلسطيني وعلى حساب الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني وكذلك على حساب قرارات الشرعية الدولية والقمم العربية التي وضعت منذ سنة ألفين سقفا لصفقة سلام يمكن أن يقبل بها الفلسطينيون والعرب. وقد مهّدت إدارة ترامب لهذه الصفقة بخطوات جعلتها طرفا منحازا للكيان الصهيوني. وجرّدتها من صفتها ك«وسيط» في مفاوضات السلام. كما جرى الأمر حتى الآن. فقد وعد ترامب في حملته الانتخابية بنقل سفارة بلاده من تل أبيب الى القدس المحتلّة. وهي الخطوة التي أنجزها في ذكرى قيام الكيان الصهيوني في إشارة الى انحيازه الكامل الى جانب هذا الكيان والى استهتاره بمشاعر الفلسطينيين والعرب والمسلمين... وكذلك استهتاره بالشرعية الدولية التي أقرت القدس الشرقية أراضي محتلة إضافة إلى استهتاره بالحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني. ليس هذا فقط بل إن هذه الصفقة «المسمومة والملغومة» تأتي لتصفية القضية الفلسطينية ولنسفها من أسسها التي تقوم عليها كقضية تحرّر وطني وكقضية إنهاء احتلال استيطاني بغيض قام على أنقاض الشعب الفلسطيني واقتلاعه من جذوره وتوزيعه في المنافي والشتات... ويستمر بغطرسة القوة وسياسات التهويد الشاملة الهادفة الى تكريس اسطوانة «يهودية دولة اسرائيل» على أرض الواقع. وعلى هذا الأساس فإن صفقة القرن ترمي الى تكريس القضية الفلسطينية كقضية انسانية. وهو ما يفضي آليا الى تصفية حق اللاجئين في العودة والى إنهاء حلم الدولة المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية والاكتفاء بإيجاد «حلول إنسانية» لتوطين اللاجئين في أراضي الشتات والمنافي وتعويضهم على أن تفصل غزة عن الضفة ويرتع مقص التفتيت في الضفة الغربيةالمحتلة لتكريس الأمر الواقع الذي فرضه الصهاينة بالاستيطان. وحين يفتح الفلسطينيون عيونهم سيجدون أنفسهم أمام كانتونات بشرية تشبه قطعة الجبن الفرنسية. وهي كتل منفصلة وتتحكّم في مداخلها بوابات الاحتلال... وهو في الواقع، وحتى لا ننسى، ما «بشرت» به اتفاقيات أوسلو مع بعض التعديلات التي جعلها ممكنة انهيار الوضع العربي وحالة الانقسام الفلسطينية وهو ما أغرى الإدارة الأمريكية الحالية بالإقدام على هذه الخطوة الرّعناء لتصفية القضية نهائيا تحت عنوان «صفقة القرن». والواضح أن هذه الصفقة المسمومة والملغومة لا تملك حظوظا للنجاح، لأنه لا الإدارة الأمريكية ولا الصهاينة ولا الدول العربية المهرولة للترويج لهذه الصفقة تملك الأهلية ولا الشرعية للتصرّف نيابة عن الشعب الفلسطيني... وشعب الجبّارين الذي يبدع كل يوم في ابتكار أساليب نضالية جديدة سيعرف كيف يدفن هذه الصفقة المشبوهة كما فعل مع مبادرات سبقتها... ويعرف كيف يمضي الى انتزاع حقوقه الوطنية المشروعة... وهي حقوق تكفلها قرارات الشرعية الدولية ومحفوظة ومحفورة في قلوب ووجدان شعب بأسره. ولن تفلح قوة مهما أوتيت من أدوات الغطرسة أن تقتلعها من العقول والصدور.