تونس (الشروق) أمام مشهد عام مُعطل ووضع اقتصادي واجتماعي خانقين، تقف الاحزاب السياسية عاجزة عن اي فعل سياسي ممكن في سياق حلحلة الازمة وبلورة تصورات الانقاذ دافعة الى التساؤل حول اسباب استقالتها المفاجئة عن لعب أي دور. وعلى المستوى السياسي دفع مسار مشاورات قرطاج 2 الى ما بعد تعليقه نحو تعميق الازمة السياسية في البلاد ،حيث خلق الخلاف بشأن طبيعة التحوير الحكومي عطالة شبه تامة في دواليب الدولة وضبابية سارعت في خندقة البلاد في مرحلة خطيرة متأثرة في ذلك بغياب البرنامج الاقتصادي والاجتماعي ومختلف تصورات الانقاذ التي لم تحظ بعد بإجماع كل الاطراف.. وحيال هذا الوضع المتردي في جل مستوياته تبدو الاحزاب الحاكمة في نظر المراقبين شبه منصرفة عن ادارة الشأن العام في تمثّل يبرز النداء ضعيفا والنهضة تكتفي بالمسايرة والمناورة بينما تكتفي المعارضة بتقديم القراءات لا غير وكل ذلك يدفع الرأي العام الى التساؤل بشأن دواعي غياب الاحزاب. فقدان مشروع الحكم ولا يبدو غياب الاحزاب عن الفعل السياسي اعتباطيا، فمن الاسباب التي تفسر استقالتها من لعب دور مهم في المشهد السياسي عدم حيازة مشروع الحكم مثلما يبرز ذلك رابح الخرايفي بوصفه احد متابعي الشأن السياسي منطلقا من طبيعة الصراع السياسي الدائر والمتركز على الاشخاص لا الافكار كما هو الحال في مسار قرطاج 2 المعطل بسبب نقطة خلافية تهم صراع أشخاص قاد الى تعطيل 63 نقطة في مشروع وثيقة من الممكن ان تحمل تصورا مشتركا للإنقاذ الاقتصادي والاجتماعي. ووفق هذا التصور تبدو الطبقة السياسية فاقدة اساسا لمشروع حكم للدولة ومنصرفة لمشاريع التموقع السياسي لاغير والتي تجعلها في صراعات مستمرة حول الحكم واستشراف منظومة الحكم القادمة و يستند الخرايفي في ذلك الى غياب ثقافة النقد الذاتي والجرأة السياسية في كل الاحزاب والتي تجعل الجميع منخرطين في سياسة «الهروب الى الامام». كما يخلص الخرايفي الى ان الاحزاب السياسية بأوضاعها المتفجرة والمضطربة وبفاعليها من ذوي المستوى الفكري والسياسي والمحدود غير قادرة على تقديم رؤية اصلاحية او تصور للإنقاذ بل تحولت حكما ومعارضة الى جزء من الازمة وبات الحل الوحيد في رأيه منحصرا في دفع وطني من مكونات المجتمع المدني ودوائر التأثير الاعلامي لهذه الاحزاب نحو تقديم نقد ذاتي علني تتوجه به الى عموم التونسيين واعلان تجاوز شخصنة مشاكل البلاد وتحمل جزءا من المسؤولية بدلا من القاء عجزها على خصومها من الاحزاب السياسية الأخرى. أحزاب خاضعة في المقابل تبدو طبيعة الانتقال الديمقراطي في تونس على ارتباط وثيق بمتغيرات اقليمية وارتباطات خارجية لها تأثيرات مباشرة في الداخل، وفي هذا السياق يرجع المحلل السياسي فريد العليبي استقالة الاحزاب من لعب دورها الطبيعي في الاقتراح الى الدول الكبرى والقوى الاقليمية والعربية المتنفذة لم يعد خافيا في رأيه تدخلها بطرق مختلفة في المشهد السياسي الداخلي قصد اعادة تشكيله في كل مرة بما ينتج تارة الاستقرار وطورا الاضطراب ، كما يرى العليبي ان هذه القوى تستعمل خاصة الأحزاب الحاكمة وتؤثر فيها وتخضعها الى سياساتها وتعلم تلك الأحزاب انه لولاها ما كان لها وجود في السلطة أصلا لذلك تتنافس فيما بينها لكسب ودها ومن هنا فإن الاحزاب الحاكمة محليا محكومة خارجيا لذلك هى عاجزة عن حل الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ، بل انها أضحت بدورها سببا من أسبابها ومن هنا لا فائدة تذكر من انتظار نجاحها في حل الأزمة .