حيث لا مفرّ من الإقرار بترسّب العديد من المخاوف حول انعكاس اتفاق التبادل الحر الشامل والمعمّق على الاقتصاد التونسي، توجّهنا بالأسئلة المعلّقة إلى السفير الأوروبي الذي فاجأنا بزوايا جديدة للحقائق الميدانية في هذا الشأن. لم يتردّد السفير باتريس بارغاميني في تقديم طمأنته الشخصية، علاوة على ضمانته الرسمية، عندما طرحنا عليه جملة المخاوف التي يشعر بها العديد من الفاعلين خصوصا في القطاع الفلاحي من الإنصهار المنتظر في الأليكا. فكل هؤلاء لا ينفكون عن المقارنة بين الوضع في أوروبا وفي تونس، قائلين لكل من يريد أن يستمع إليهم أن الفارق الهائل بين الطرفين يشير بما لا يدع مجالا للشك أن منتوجاتنا، وفي نفس الوقت مؤسساتنا طبعا، ستقع في خضم بحر متلاطم الأمواج لن تصمد فيه ولو لبعض برهة. وضع الجميع أمام الحقائق برغم كل هذه التوصيفات المغرقة في التشاؤم فإن السفير لم ينف أن ذلك حقيقي وأن اللعبة ستكون قاسية. لم يقدم أي تطمينات من النوع الكلاسيكي، إذا صح القول، بل فاجأنا بالنظر إلى المسألة برمتها من زاوية غير تقليدية أو على الأقل ليس من قبيل ما نسمعه هنا وهناك من لدن المبالغين في التفاؤل. خاطبنا السفير وكأنه يقصد أن يتوجه من خلالنا إلى الثلثين من مجموع المشتغلين بالفلاحة: «لا مناص من الإقرار بأن هناك تهديدا حقيقيا للفلاحة التونسية وأن هذا التهديد يمكن أن يختزل في كم من العناصر الموضوعية التي لا يمكن أن تخفى على المهتمين بهذا الميدان في تونس وخارجها وهي المياه والأسواق والمناخ والقدرة على التطور والاقتصاديات المستدامة... وليس للأليكا دخل في ذلك إلا أن تضع الجميع أمام حقيقة الأشياء، بالعكس فالأليكا ستخدم لا محالة كل التوجهات البناءة.» ويصرّ بارغاميني على أن الاتفاق في نسق المصلحة المباشرة لتونس إذا اشتغلت بلادنا على الملف مع الإتحاد الأوروبي، فهو في واقع الأمر في مصلحة الطرفين اللذين سيكونان رابحين. ويدفع السفير بمثال المغرب الشقيق الذي انضم فعلا إلى الأليكا والذي بدأ يجني ثمار انخراطه ذاك فالأرقام تشير إلى أن التصدير المغربي قد ارتفع بنسبة 84 % وأن 97 % من منتوجاته المصدرة إلى بلدان الاتحاد الأوروبي معفية من الأداءات ونظام الحصص ومتمتعة بفترات تفاضلية بين 5 و 10 سنوات. مواجهة المشاكل بصفة مباشرة كيف ذلك؟ يقول السفير أن الأليكا لها ميكانيزمات توفّر المزايا المذكورة: «إن الاتفاق في جوهره لاتماثليّ، أي أنه يسمح لطرف ما لا يسمح للآخر وذلك لأجل تمكين شركائنا من رفع رهانات الفترة الانتقالية. ما أقوله هو أن تونس في حاجة حقيقية إلى هذه اللاتماثليّة لتمر بسلاسة بالفترة الإنتقالية، واتفاق الأليكا يضمنها. والأهم أن تونس في حاجة إلى الاتفاق الذي لا يجب أن ينسى أحد أنه يمثل فرصا للمضي قدما بهذا القطاع بالذات. لا أخفي عليكم أني استمعت إلى عدد من الفاعلين الميدانيين من مستثمرين ومهنيين في مختلف الاختصاصات ومصدرين في القطاع ولمست أن جميعهم مقتنعون بتوفر تلك الفرص التي ستفتح آفاقا جديدة للفلاحة التونسية. وسأكون صريحا معكم أكثر لأقول لكم أني سمعت العديد منهم يؤكدون أنه كان من الخطإ التوقف دون الإنخراط في الاتفاق الذي تعاقدت عليه بلدان أخرى مثل المغرب ومصر والأردن.» وحيث كانت الفكرة الأساسية التي تبناها السفير تدور حول التطور الذي لا محيد عنه لإنقاذ الفلاحة التونسية وإعطائها نفسا أعمق، سألنا السفير عن تقييمه لنسقي الإنتاجية والتصدير في حين أن هناك أشياء كثيرة لا بد من معالجتها بسرعة. وحسب بارغاميني فإن النقطة الحاسمة تكمن في توضيح جدي للرؤية لأن الرؤية الآن تبدو له كأنها تضاهي الصّفر! «هناك مشاكل متراكمة للفلاحة منذ عشرات السنين والواضح أن الأليكا سيسمح بمواجهتها مباشرة. لذلك يتوجب على الجميع في تونس، بمن فيهم المجتمع المدني، الإلتقاء حول طاولة الحوار مع الإتحاد الأوروبي بذهنيات مفتوحة لأني على تمام الاقتناع بأن الفلاحة التونسية يمكن فعلا أن تصبح جوهرة في الاقتصاد.»