قد يقول البعض إنّ الكلام لا يَنفع بعد ضَياع حُلم المونديال وقد يتبنّى البعض الآخر المَوقف «الكَاريكاتوري» للطفي العبدلي الذي طالب العرب بتعليق أنشطتهم الكُروية والإنصراف إلى الألعاب التقليدية كمصارعة «الأكباش» و»الديوك» وذلك إلى حين تعلّم الأصول الصّحيحة للجلد المنفوخ وإمتلاك المؤهلات الضرورية لمُقارعة الأمم المتقدّمة في المجال. ومثل هذه الآراء تَغلب عليها في الحقيقة النّظرة التَشاؤمية والنّزعة الشَعبوية وهو أمر يرفضه فوزي البنزرتي الذي يعتبر أن الأماني التونسية في الكأس العالمية كانت مُمكنة لولا فداحة الأخطاء الفنية والاستراتيجيات العشوائية للقائمين على اللّعبة بعد أن حاولوا تبرير الهزيمة التاريخية أمام بلجيكا بمحدودية المؤهلات التي بحوزة اللاعبين رغم أن الجهات ذاتها أكدت بالأمس القريب أنهم الأفضل في برّ إفريقيا. وقد إستغلّت «الشّروق» فرصة تواجد البنزرتي مع فريقه الوداد في تربّص مُغلق في تونس لترصد انطباعاته حول المُغامرة المُونديالية الفاشلة للمنتخب الوطني. صَدمة كبيرة يؤكد المدرّب السابق للفريق الوطني وجَامع الألقاب المحلية والدولية مع «كبار» الكرة التونسية بأن الصّدمة كانت شديدة بعد الهزيمة الثقيلة أمام بلجيكا ويَعتبر فوزي البنزرتي أن حَسرة الجماهير الرياضية كانت مُضاعفة بسبب الرفع في سقف الأحلام من قبل المشرفين على حظوظ المنتخب. ومن المعلوم أن الإطار الفني للفريق الوطني كان قد وعد بالمراهنة على بطاقة التأهل إلى الدور ربع النهائي الشيء الذي جعل الجمهور يثق في عهوده ويشيّد قصورا من الأحلام وبما أن النتيجة كانت قاسية ومُخيّبة للآمال فقد كانت ردّة فعل التونسيين قوية. وقال البنزرتي إن الكرة عَلّمته الكثير من الدروس في مقدّمتها عدم الجَزم بالصعود على منصات التتويج وإنجاز الأهداف المنشودة لأنه لا شيء مضمون سواء مع المنتخبات أوالجمعيات ويعتقد البنزرتي أن المنطق يفرض التحضير الجيّد والتركيز العالي بدل إطلاق الوعود الزائفة دون أن تكون لنا الإمكانات المطلوبة لتحقيقها على الأرض الواقع. مردود رديء يُشير فوزي البنزرتي إلى أنّ الصّدمة التي تعرّض لها الجمهور التونسي كانت كبيرة أيضا بسبب الأداء الهزيل لفريقنا الوطني حيث ظهر جلّ اللاعبين بوجه شاحب ما أغضب المحبين الذين كانون يُمنّون النّفس بتقديم مردود مُقنع ومشرّف وذلك أضعف الإيمان في ظلّ ضَياع حلم العبور إلى الدّور الثاني. هذا وعبّر المدرّب الحالي للوداد البيضاوي عن أسفه الشديد للصّورة السلبية التي يُروّجها الأجانب بعد الهزيمة القاسية أمام بلجيكا حيث إستغلّ البعض هذا السّقوط المُدوي للمنتخب الوطني ليسخر من المستوى الضّحل للكرة التونسية. هفوات جسيمة يَعتقد فوزي البنزرتي أنّ السّبب الرئيسي لإخفاق الفريق الوطني في المونديال الروسي يكمن في الأخطاء الفنية الجسيمة التي وقع إرتكابها أمام أنقلترا وبلجيكا. ويظنّ البنزرتي أن منتخبنا أساء التعامل مع متطلّبات هَاتين المُواجهتين الثَقيلتين ويضيف بأن الإطار الفني لم يتّبع الخطّة الأنسب للحدّ من خطورة خصميه و»الطّمع» في تحقيق نتيجة إيجابية أمام أحدهما أوعلى الأقل الخروج بأخفّ الأضرار ودون التعرّض إلى صَفعة قوية كتلك التي حصلت أمام بلجيكا. والأغرب أن «فلسفات» المدرّب تَتغيّر حسب ضغوطات الجماهير وهو أمر برز للعيان من خلال التخلي عن أسلوب الحَذر الذي وقع إعتماده أمام أنقلترا ليلعب الفريق بالنار وينزل بثقله أمام بلجيكا التي إستغلت هذا الخطأ لتهزمنا بالخَمسة ويعتقد فوزي أن المنطق يقول بأن المدرب الجيّد لا يتنازل عن قناعاته مهما كانت الظروف. ويُلحّ البنزرتي على أن مُنافسي تونس في الجولتين الأوليين من النهائيات المُونديالية يملكان ترسانة من «النّجوم» العالمية وقد يُراهنا بقوّة على الأدوار المُتقدّمة لكن ذلك لا يعني أبدا أن نسقط أمامهما بنتيجة عريضة كما حصل ضدّ بلجيكا التي إستفادت من ضعف خُطّتنا التكتيكية لتمطر شباكنا بخماسية كَاملة. ويؤكد البنزرتي أنّ عبارة «تَخلويض» هي المُصطلح الأنسب لتفسير «الكَابوس» الذي عاشه المنتخب الوطني في المونديال بفعل التخطيط السيء على المستويين الفني والإداري. إمكانات متوسّطة في سؤال عن القدح في إمكانات لاعبينا و»تَقزيمهم» لتبرير السّقوط المُوجع أمام أنقلترا وبلجيكا يؤكد فوزي البنزرتي أن هذا الرأي لا يخلو من التعسّف ويشير إلى أنّ الكرة التونسية تفتقر فعلا إلى «فَلتات» كُروية قادرة على إحداث الفارق وتُضاهي من حيث الإمكانات تلك «النجوم» التي تنشط في المنتخبات العَتيدة لكن هذا لا يعني مطلقا أن مؤهلات الجيل الحالي ضَعيفة بالشكل الذي يجعلنا نَنهار في نهائيات المونديال. ويرى البنزرتي أنه من الجيّد الإعتراف بالحجم الحقيقي ل»الكوارجية» التونسيين بعد الهزيمة الكبيرة أمام بلجيكا لكنّه يخشى في المقابل أن يكون بعضهم قد إستثمر هذا الجانب وتعمّد «تَقزيم» لاعبينا ليمسحوا على قُمصانهم الخَيبة المُونديالية. لا للإستسهال بعد الهزيمتين المُوجعتين ضدّ الأنقليز والبلجيكيين أصبحت مباراة اليوم أمام «بَنما» شكلية بالنّسبة إلى عناصرنا الدولية ولا مكاسب فيها غير ردّ الإعتبار وتحقيق الإنتصار الثاني لتونس في المُونديال بعد فوز أبناء عبد المجيد الشتالي على المكسيك في 1978. وفي هذا الصّدد يؤكد فوزي البنزرتي أن العَقلية الإحترافية تفرض على الفريق الوطني التعامل بجدية كبيرة مع هذه المواجهة ويضيف بأن الكرة تَتعارض مع منطق الإستسهال و»الحُقرة» بحجّة أن «بَنما» ضعيفة ولن يكون من الصّعب على تونس سَحقها بنتيجة عريضة. ويطالب فوزي البنزرتي بتأمين الدفاع بشكل جيّد ومدروس قبل الإنطلاق نحو الأمام لتسجيل الأهداف والخروج بفوز مَعنوي ومن شأنه يُخفّف نسبيا من حدّة الأزمة التي يعيشها المنتخب الوطني هذا في إنتظار فتح ملف الإصلاحات فور الوصول إلى تونس. إصلاحات عَميقة يُكمل المنتخب الوطني اليوم مُغامرته العالمية بمواجهة شكلية ضدّ «بَنما» لِيُفتح في المقابل ملف الإصلاحات العَميقة في الكرة التونسية والحديث لفوزي البنزرتي الذي يؤكد بأن اللّعبة في حاجة مُراجعات شاملة. ويعتقد البنزرتي أنّ التغييرات يجب أن تشمل الوجوه التسييرية والإطارات الفنية مع وضع إستراتيجيات تمنح الأولوية للكفاءات وتُنهي منطق الولاءات وسياسة التعويل على الأسماء «المُحترفة» في الثرثرة وبيع الكلام دون أن تكون لها القدرات اللاّزمة لتحمّل مسؤوليات كبيرة في الجمعيات والمنتخبات. نظرة أشمل يَرفض فوزي البنزرتي النّظرة الضيّقة لإخفاق المنتخب الوطني في المُونديال الرّوسي ويَعتبر أن هذه الخسارة الكروية لا تقتصر على الأخطاء الفنية والفوضى التسييرية وغياب «الفلتات» الكروية وإنّما تعكس كذلك رداءة الوضع العام في البلاد التونسية. ويعتقد البنزرتي أنّ الهزّات التي تعيشها رياضتنا بين الحين والآخر هي في الحقيقة جزء لا يتجزأ من حالة الضّياع التي تعيشها تونس في كلّ المجالات وسط غياب إستراتجيات واضحة تضعها الدّولة ويسير على نهجها الرياضيون في كلّ الإختصاصات.