من يتابع ما يجري في الساحة السياسية ببلادنا اليوم لا يمكن الا أن يصاب بالدوار، ويضيع البوصلة، بين التصريحات والمواقف المتشنجة المؤيدة للحكومة من جهة والمضادة لها من جهة اخرى في مشهد عبثي يبدو انه متجه الى المزيد من المراوحة والجمود في كل المجالات في ظل قوى وأحزاب سياسية آثرت أن تركن الى ادارة اللعبة السياسية بمنطق «تقليدي» ينطوي على الكثير من المراهقة السياسية. وما يرسم صورة قاتمة لهذا المشهد هو المؤشرات التي لاحت مع لعبة «حافة الهاوية» التي تمارَس اليوم في التعاطي مع مصير حكومة الشاهد، بما أوحى ان الافق المسدود مفتوح على مزيد من حلقات السير على الحبل المشدود، من دون ان تتبلور حتى الساعة ملامح الحل الذي يمكن ان يقي البلاد شرّ السقوط في «محظور» يراوح بين استمرار أو تكريس أزمة نظام تفضي الى الإطاحة بالتوازنات التي ثبّتها «توافق الشيخين». ورغم ان الوضع بات محكوما الى حدّما بهذا التوافق، فان الغموض الذي يخيم على الوضع السياسي وعلى مستقبل وثيقة قرطاج «المعلّقة» منذ فترة، يعكس حالة تخبّط غير مسبوقة تشي بأن الطبقة السياسية أصبحت قاصرة عن تقدير طبيعة الازمة الراهنة وتوفير بدائل وحلول حقيقية للخروج من هذه الحلقة المفرغة. إنه من العبثية اليوم، أن «تتبارى» الأحزاب في سنّ «قصف» مركّز ضد الحكومة بالاتهامات وأن تعمل على ارباك المشهد العام واشعال فتيل حروب سياسية تهدد بفتح البلاد على مخاطر جمّة، وتتغافل في الوقت نفسه عن كون الشعب، ينتظر تقديم بدائل واقتراحات تساعد الحكومة على تبني خطط ناجحة وناجعة، في مصلحة الشعب، والوقوف إلى جانب المصلحة العامة بدل الاكتفاء بكيل الاتهامات الى رئيس الحكومة. وكأنه وحده هو من أوصل السفينة إلى هذه الأمواج العاتية التي تترنح البلاد على إيقاعها. ورغم انه لا جدال في أن الحكومة تتحمّل بكل تأكيد جانبا من المسؤولية في كل ما يحدث، إلاّ أن هذا العبث السياسي الذي يخيم اليوم على الوضع السياسي، يؤكد في المقابل أن أزمة تونس اليوم هي اعمق من كونها مجرد ازمة حكومة ..انها ازمة دولة واحزاب فقدت زعاماتها السياسية المتشبعة بالروح الوطنية الأصيلة، والتي قاومت الانتهازية سلوكا سياسيا والفساد كآلية للحكم. وواقع سياسي من هذا القبيل لا يمكن أن ينتج إلا تشوها في الحياة السياسية وانحرافا في المسار الانتقالي وانهيارا في الاوضاع الاقتصادية وضياعا في البوصلة السياسية... وللحديث بقية.