واصلت الأطراف السياسية الفاعلة في المشهد السياسي التونسي تمترسها كل في خندق موقفه غير مكترثين بما تتجه البلاد نحوه من احتمال انفجار الأوضاع الاجتماعية على خلفية تواصل الصعوبات الاقتصادية. تونس- الشروق: لأول مرة في تونس منذ جانفي 2011 تشهد تونس حالة فريدة من نوعها في الساحة السياسية وتتمثل في عدم اكتراث الأحزاب بحالة التعطب التي تشهدها دواليب الدولة وحالة الشلل التي أصابت العلاقات بين الفاعلين السياسيين رغم الأخطار التي تحملها المرحلة. الطريق الى الانفجار تفاقمت الأزمة الاقتصادية منذ بداية السنة الجارية وأصبحت انعكاساتها على باقي المجالات تمثل خطورة كبيرة على مستقبل الجمهورية التونسية، حيث اننا تابعنا كيف أدت الاجراءات الاقتصادية التي اعتمدتها الحكومة خاصة على مستوى الزيادات في الضرائب والاسعار الى تفاقم نسبة التضخم وغلاء المعيشة. كما ان عجز الميزانية التونسية أدى الى تراجع الحكومة عن العديد من الاتفاقات مع الاطراف النقابية وخاصة الاتحاد العام التونسي للشغل في عدة قطاعات الى جانب الازمات التي بدأت تتفاقم في قطاعات اخرى مثل الازمة بين المتقاعدين وصناديق الضمان الاجتماعي التي تعاني بدورها من صعوبات كبيرة بسبب تواصل عجزها. وعلى صعيد اخر لم تحقق تونس اي تقدم فاعل في اتجاه الحد من نسب البطالة التي تمثل مشكلا لتونس منذ ما قبل جانفي 2011 لكن تواصلت دون حلول عملية وحتى بالنسبة للحلول الترقيعية التي اعتمدت منذ حكومة الباجي قائد السبسي سنة 2011 اصبحت تمثل مشكلا اخر للدولة حيث ان عمال الحضائر والاليات تواصلت احتجاجاتهم من اجل تحسين اوضاعهم المهنية والمادية مع اعترافهم بان تلك الاعمال التي منحت لهم لا تقدم اية اضافة للدولة وكانت مجرد وسيلة لاسكاتهم كما انها تحولت الى سبب اخر لنزيف الميزانية. كل تلك المشاكل الاجتماعية وغيرها ادت خلال الفترة الاخيرة الى الكثير من التحركات الاجتماعية هذا دون ان نعود الى الاحتجاجات التي تسبب فيها قانون الميزانية في جانفي 2018 ففي الفترة الاخيرة أصبحت الاحتجاجات في العديد من القطاعات امرا يوميا. صمت مريب وفي الاتجاه ذاته ادت مشاكل اخرى في قطاعات حيوية الى اضافة عناصر جديدة للتوتر في البلاد منها مثلا مشكلة الادوية ونقصها او نفاذها في الصيدلية المركزية او قضية احتكار بعض المواد وآخرها كان الحليب الى تحريك قطاعات واسعة ودفعها الى التساؤل حول مصير الدولة التونسية وفي المقابل تواجه كل تلك الازمات بصمت مريب من الاطراف السياسية والاجتماعية الفاعلة. وفي هذا الاطار نجد ان كل طرف مازال متمترسا في خندقه وكأن الهاوية التي نتجه نحوها لا تعنيهم فنجد مثلا الاحزاب مثل النهضة والنداء محافظان على موقعهما احدهما ضد رئيس الحكومة والاخر معه او يرفض تنحيته على الاقل ومن جهة اخرى نجد الاتحاد لعام التونسي للشغل وبالرغم من عودة النقاشات واللقاءات بينه وبين ممثلي الحكومة لتدارس بعض تلك الاشكاليات الا انه مازال بعيدا عن دوره في دفع الفرقاء السياسيين الى انقاذ البلاد من المجهول. ومن جانبها غابت منظمة الاعراف بشكل كلي تقريبا عن كل تلك الازمات واكتفت ببعض المواقف التي لم تغير شيئا في المشهد المهيمن أما بالنسبة للشخصيات الوطنية الفاعلة وهم مثلما يعلم الجميع رئيس الجمهورية ورئيس حركة النهضة فكل منهما اختار اما الحياد وتفادي التورط في الازمة وهو موقف رئيس الجمهورية او الانتظار في خندق حزبه رغم ما تحصل عليه من قيمة اعتبارية خلال السنوات الاخيرة وهو راشد الغنوشي. اذن فالكل ينتظر الحل «من السماء» وحتى بعض التحركات التي نراها بين الحين والآخر فهي لا تهدف الى الدفع نحو الحل وانما لمزيد التأكيد على هذا الموقف او ذاك كما انه هناك نوع من الخوف من مسؤولية المبادرة من احد الأطراف وخوف من مسؤولية المصير حيث ان كل طرف سيلقي المسؤولية على الاخر في النهاية فمن مع الشاهد سيقول ان الاخرين عطلوه ودمروا الاستقرار ومن ضده سيقول ايضا ان الاخرين تمسكوا به رغم ضربه للاستقرار. وفي الاثناء تسير البلاد بسرعة متصاعدة نحو المجهول بفعل الازمة المتفاقمة وبداية تململ الشارع سواء وفق المصالح القطاعية او الجهوية او الاقتصادية الى جانب بداية تحرك المستفيدين الوحيدين من هذا المسار المضاربين والمحتكرين وحتى الارهابيين، فالى متى الانتظار؟