يتابع قسم الدراسات والتوثيق بانشغال عميق ما آل اليه الوضع الاقتصادي للبلاد في الفترة الاخيرة في ظل تراجع نسب النمو وتواصل الازمة السياسية وانحسار الوعي بضرورة التحرك العاجل والناجع لتجنيب البلاد أزمة اقتصادية خانقة وطويلة المدى قد يكون لها تأثير سلبي على مسار الانتقال الديمقراطي وعلى مستقبل البلاد عموما. وقد سبق لقسم الدراسات والتوثيق ان اصدر تقريرا مفصلا عن الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها بلادنا داعيا كل الاطراف الى تحمل مسؤولياتها التاريخية والى التحلي بالجرأة والجدية في التعاطي مع هذا الملف المصيري الا انه والى حد الساعة لم نلمس تحسنا في ادارة الشأنين السياسي والاقتصادي على حد سواء بل على العكس تماما تزداد الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية للبلاد تدهورا يوما بعد آخر. ان نسبة النمو الاقتصادي المسجلة خلال السداسي الاول لهذه السنة والتي بلغت 3٪ كانت بعيدة عن التوقعات والانتظارات حيث يؤكد خبراء قسم الدراسات والتوثيق بأنه يتوجب تحقيق نسبة نمو ب 5٪ لضمان تعبئة الموارد المالية المعلن عنها لهذه السنة الا ان ما شهدته البلاد من أحداث خلال الاشهر الماضية اثر اغتيال الشهيد محمد البراهمي وتواصل الازمة السياسية يعسران من قدرة الاقتصاد الوطني على بلوغ هذه النسبة المرجوّة. واذا ما أضفنا الى مجمل هذه العوامل فشل تجربة تمويل الميزانية عبر الصكوك الاسلامية وعدم صرف القسط الثالث من برنامج دعم الميزانية من قِبل البنك الدولي جراء فشل الحكومة الانتقالية في الايفاء بالالتزاماتها المتعلقة بالاصلاح الاداري والحوكمة والشفافية وتواضع المقترحات بشأن سبل تمويل الميزانية فإن الوضع يصبح خطيرا جدا وينبئ بكارثة اقتصادية. ويبرز قسم الدراسات والتوثيق بأن تواضع نسب النمو الاقتصادي سيؤثر في الموارد الجبائية خصوصا في ظل غياب سياسة ناجعة لمحاربة التهرّب الجبائي ومقاومة التهريب والتملص من مراجعة هذه المنظومة لتحقيق العدالة الجبائية وينبه القسم في هذا الاطار الى ضرورة البحث عن السبل الكفيلة بتنمية الموارد الجبائية وتجنب تحميل اعبائها للأجراء دون سواهم. ويوضح قسم الدراسات والتوثيق بأن تواصل انحدار المؤشرات الاقتصادية بتزايد نسب التضخم المالي وتفاقم العجز التجاري وتراجع مخزون العملة واستمرار الصعوبات المالية التي تعاني منها جل البنوك العمومية من شأنه ان يخلق ازمة سيولة بنكية ويحد من قدرة المنظومة البنكية على تمويل الاقتصاد وهو ما من شأنه ان يدخل البلاد في ازمة مالية خانقة يمكن ان تؤدي الى كارثة للبلاد خصوصا مع تراجع التصنيف السيادي لبلادنا. وتجدر الاشارة الى ان الوضع الاقتصادي الخطير الذي تعيشه بلادنا يتزامن مع وضع اقتصادي عالمي دقيق وخاصة ببلدان الاتحاد الاوروبي الشريك الاول لتونس وكذلك مع ظرفية سياسية اقليمية شائكة لن تكون بلادنا بمنأى عن تبعاتها. وينبه قسم الدراسات والتوثيق الى ان التفكير في اعتماد سياسة نقدية توسعية قد يؤدي الى مزيد تطبيع الازمة الاقتصادية وتأبيد التضخم ونسف قيمة الدينار التونسي، كما ان غياب الرؤية الواضحة للنهوض بالقطاعات الحيوية من شأنه ان يعمّق الازمة وان يؤثر في بقية القطاعات اضافة الى مزيد اثقال كاهل صندوق تعويض المحروقات وتراجع مستوى عيش المواطن وخاصة الفئات الفقيرة. ان تفاقم الارهاب وتواصل الازمة السياسية وغياب الوعي والمسؤولية من قبل مختلف الاطراف السياسية بمقتضيات المرحلة وانعدام التوافق وتغليب المصلحة الوطنية من شأنه ان يبعث برسائل سلبية للمستثمرين المحليين والاجانب خاصة ويزيد من تنامي الشعور بالاحباط لدى التونسيين مما سيؤثر حتما على الدورة الاقتصادية والمناخ الاجتماعي وعلى مسار الانتقال الديمقراطي عموما.