في ظل تلك الأجواء كانت هناك أنباء قد تسربت تشير الى عزم القذافي تاميم شركات النفط الامريكية العاملة في ليبيا. ولم ينف العقيد الليبي معمر القذافي هذه الانباء وقال في مقابلة مع صحيفة «الاهرام» المصرية ان المفاوضات مع شركات البترول مازالت مستمرة ولكنه اكد ان السلطات الليبية تبحث عن حلول جذرية لقضية البترول تحقق للشعب الليبي السيطرة الكاملة على ثروته النفطية وان تأميم هذه الشركات وارد وان المباحثات معها ستكون حاسمة». كما اكّد العقيد الليبي أن النفط ملك للدولة الليبية وان ما وصفها بحكومة الثورة الليبية طالبت في مفاوضاتها مع شركات النفط بان تتسلم الدولة عمليات النفط كلها وتعوّض هذه الشركات على اساس القيمة الدفترية على أن يقتصر دور شركات النفط العاملة في ليبيا على شراء النفط من الدولة وتصبح هذه الشركات مجرّد شركات استيراد فقط». كان واضحا أن هذا الأمر لم يعجب شركات النفط الأمريكية ولكنها كانت تخشى في المقابل من ان يقدم نظام القذافي على التأميم الكلي خاصة في ظل المساندة الشعبية الواسعة التي كان يحظى بها القذافي في تلك المرحلة وتهديد السلطات الليبية بالقيام بأعمال تخريبية ضدّ المنشآت النفطية في حال عدم التوصل الى اتفاق في المفاوضات مع شركات النفط حيث القى القذافي خطابا خلال احتفالات ليبيا بالذكرى الثالثة لجلاء القواعد في 11 جوان 1973 وفي حضور الرئيس المصري انور السادات هاجم فيه السياسة الامريكية واتهمها بالغطرسة وبأنها تحاول السيطرة على العالم من خلال شركات النفط الاحتكارية ومن خلال قواعدها العسكرية واساطيلها المنتشرة في العالم لتهديد الشعوب التي تكافح في نيل حريتها واستقلالها وأن وجود حاملات الطائرات بالقرب من الشواطئ الليبية وطائرات التجسس بشكل استفزازي يهدف الى تهديد ليبيا والضغط عليها لكي تخضع الى السياة الأمريكية وتتراجع في مفاوضاتها مع شركات النفط الامريكية التي لمست حكومة الثورة الليبية في مفاوضاتها معها الروح الاستعمارية والغطرسة الامريكية. واضاف القذافي قائلا: «لقد حان الوقت كي تكون الشعوب العربية في مواجهة امريكا وأن الوقت قد حان أن تهدّد المصالح الامريكية تهديدا جدّيا وخطيرا في المنطقة العربية مهما كانت التكاليف وان امريكا محتاجة الى صفعة كبيرة على وجهها البارد الصفيق». اثر ذلك اعلن القذافي أن مجلس قيادة الثورة قرر تأميم شركة «بانكيرهانت» الأمريكية قائلا ان هذه الشركة تفتقد الى السند القانوني لممارستها لاعمال التنقيب والتصدير وادارة النفط الليبي مضيفا ان التأميم هو حق سيادي للدولة التي تمتلك النفط ولا يوجد أي قانون في العالم يمنع الدول النفطية من ان تؤمم مصادر النفط أو أن تدير كافة العمليات المتعلقة به أو أن توقف ضخّه. كانت الخطوة الليبية بتأميم شركة «بانكيرهانت» النفطية الأمريكية خطوة لافتة على طريق المواجهة مع شركات النفط الأمريكية حيث كان هذا القرار مصدر انزعاج لشركات النفط الأمريكية والدوائر الحاكمة في واشنطن كما جاء في كتاب سياسة الولاياتالمتحدة نحو ليبيا للكاتب سيد عبد الرحيم ابو خبر. وجاء رد فعل الولاياتالمتحدة على القرار الليبي بنزع ملكية هذه الشركة في اعلان البيت الأبيض بعدم شرعية هذا الاجراء بينما وجه مكتب الدولة في الولاياتالمتحدة مذكرة بتاريخ 8 جويلية 1973 الى القذافي جاء فيها ان الاجراءات ضد حقوق ممتلكات المواطنين الأجانب في ليبيا تتخذ طابعا تعسفيا وان هذه الاجراءات التي ولدتها تصورات عن الانتقام السياسي والضعف الاقتصادي لا تملك الشرعية». وطالبت المذكرة السلطات الليبية بالغاء قرار التأميم لكن السلطات الليبية اصرت على قرارها في دفع الشركات النفطية الأمريكية بالرضوخ الى قرارها حتى وان اقتضى الأمر احتلال موقع آبار هذه الشركات بالقوة. كان لهذا القرار الليبي «توابع» و»زوابع» دراماتيكية على العلاقات الامريكية الليبية التي دخلت منذ تلك اللحظة أزمة كبيرة استمرت لسنوات. في الحلقة القادمة تفاصيل وحقائق جديدة