قتلى وجرحى في صفوف حماة الوطن، هناك قتلة مباشرين في فاجعة غار الدماء متمثلين في الإرهابيين، لكن هناك من هم مسؤولون هيأوا لهم فرصة لتنفيذ العملية تونس الشروق: الإرهاب يستفيد من الأزمات والفراغ وشدة التجاذب والغفلة... هذه العناصر البديهية متوفرة كلها اليوم في تونس جراء الأزمة السياسية الخانقة. هذه الأزمة تكاد تنحصر في رئيس الحكومة يوسف الشاهد بما أن هناك من يريد إقالته مثل اتحاد الشغل ونداء تونس والاتحاد الوطني الحر لأن الشاهد «اختار المعركة، وقدرنا أن نكون في قلب الأحداث، نعمل ليلاً نهاراً للتصدي لمشروعه الخطير جدا» على حد تعبير أمين عام اتحاد الشغل نور الدين الطبوبي. وهناك من يريد للشاهد أن يواصل كما تريد النهضة التي لا ترى «مصلحة لتونس في الإطاحة بالحكومة» على حد تعبير رئيسها راشد الغنوشي. كل طرف ينطلق حسب ما يعلنه من المصلحة الوطنية لكن الواقع أن هذا الخلاف في الرؤية سبب أزمة سياسية وأن هذه الأزمة زادت في تأزيم الاقتصاد وتردي الحالة الاجتماعية قبل أن نصل إلى قمة الخطر بتضرر الجانب الأمني. أخطاء سياسية لا يمكن اتهام الحكومة ولا رئيسها ولا أطراف وثيقة قرطاج ولا رئاسة الجمهورية بالتخاذل ولا بالمشاركة الايجابية ولا حتى السلبية في استشهاد أبناء تونس من سلك الحرس الوطني ولكن هناك أخطاء سياسية لا يمكن لأحد أن ينكرها كان لها دور في حصول الفاجعة بما أن الإرهابي لا ينشط في ظل الدولة القوية. هذه القوة تفترض الاستقرار الحكومي والسياسي والنمو الاقتصادي والرخاء الاجتماعي وإخراج المؤسستين العسكرية والأمنية من دائرة التجاذب السياسي والتناغم بين الأبعاد القضائية والأمنية والاجتماعية والحقوقية والثقافية في مكافحة الإرهاب فضلا عن توافق تام في تحديد الأولويات والحروب الواجب إعلانها وتشارك الجميع فيها لإنهائها وإعلان النجاح فيها في أقصر وقت ممكن. في تونس بدأنا حربا على الإرهاب دون أن ننهيها وفتحنا جبهة على الفساد دون أن نغلقها أو نتقدم فيها وتتعدد الجبهات ضد التهريب والتهرب الجبائي والاحتكار والبطالة والفقر دون أن نحتفل بنجاحنا في أي جبهة. ردة فعل سلبية السبب أننا نجتر الأخطاء ذاتها منذ قيام الثورة إلى اليوم فمازال كل طرف يبحث عن مصلحته في إطار المصلحة الوطنية حتى إذا لاح تضارب بينهما قدم الأولى على الثانية والحال أن من يتشدق بالوطنية يضحي بمصلحته الحزبية أو الشخصية إذا اقتضتها المصلحة الوطنية. هذا المبدأ غير معتمد في مشهدنا السياسي والدليل أن كل طرف يتمسك بموقفه وهو يعلم أن عناده يطيل الأزمة السياسية ويديم ما يرتبط بها من تأزم اقتصادي واجتماعي وتجاذب وفراغ وغفلة. ولكن ما العمل اليوم بعدما طالت الأزمات وتوالت المصائب؟ إلى حد الساعة هناك اجماع سياسي حزبي على إدانة العملية الارهابية لكن من الناحية العملية لم يتعد كل طرف سياسي حد توجيه التهمة سرا أو علنا لخصومه وهذه ردة فعل سلبية يزيد في حدة التجاذب وتوفر للإرهابيين ظروفا جيدة لإعادة الكرة. على أطراف وثيقة قرطاج اليوم أن يثبتوا مدى وطنيتهم عبر تقديم المصلحة الوطنية على جميع المصالح. وحتى يقنعونا عليهم أن يسلكوا خطوات ثلاث مترابطة: على كل واحد منهم أولا أن يتوقف عن تحميل المسؤولية لخصومه وأن يبدأ بنفسه فيقنعها بأنه مساهم في ما وصلنا إليه من تأزم وفواجع. عليه ثانيا أن يعلن لخصومه استعداده للتنازل والتضحية بمصالحه الخاصة أو على الأقل جانل منها تغليبا للمصلحة المشتركة. عليه ثالثا أن يعود إلى الحوار في أقرب وقت ممكن وإنهاء سبب الخلاف بالتوافق. في وثيقة قرطاج 64 بندا اتفق أطرافها على 63 منها واختلفوا على بندها الرابع والستين فهل إن من أمكنه الكثير يعجزه اليسير؟ افعلوا بيوسف ما تريدون، أقيلوه أو اطرحوه أو اجعلوه على رأس حكومة تكنوقراط... المهم أن تتوصلوا إلى حل يقينا من عملية إرهابية أخرى فروح التونسي أغلى من كل خلافاتكم السياسية.