على الشاهد أن يلتزم «بعدم الترشح لرئاسيات 2019». هو شرط تفرضه النهضة على رئيس الحكومة مقابل التزامها بدعمه ولكن هل يحق لها أن تفرض عليه شروطها وأن تسلبه حقا يضمنه الدستور؟. تونس الشروق: «تجدد الحركة دعوتها لالتزام الحكومة بتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية (...) والتزام رئيسها بعدم الترشح لرئاسيات 2019 وهو ما أكده رئيس الحركة الأستاذ راشد الغنوشي في اجتماع قرطاج صباح الاثنين 16 جويلية 2018.» ما ورد في الفقرة الثالثة من بيان حركة النهضة الذي أصدرته ليلة الاثنين الماضي بدا لأغلب الملاحظين شرطا من النهضة حتى تواصل دعم الحكومة أي أنها تتكفل بحمايتها من الإقالة مقابل تعهد الشاهد بعدم الترشح للانتخابات الرئاسية القادمة. «هي نصيحة» وليست شرطا هكذا وصف القيادي في حركة النهضة عبد اللطيف المكي دعوة الشاهد إلى الالتزام بعدم الترشح، ولكن الأصل في السياسة كما القانون أن نلجأ إلى التفسير أو التأويل إذا كان النص الأصلي غامضا أو مبهما أو يتحمل أكثر من معنى. البيان لم يستعمل مطلقا عبارة «النصيحة» ولا أيا من مرادفاتها والفقرة الثالثة تتحدث عن «تجديد الدعوة» والدعوة لا تعني النصيحة ولكن ما المشكلة في هذا كله؟. حق دستوري المشكلة تطرح من زاوية قانونية دستورية حقوقية، ذلك أن الفصل 74 من الدستور التونسي الحالي ينص صراحة على أن «الترشح لمنصب رئيس الجمهورية حق لكل ناخبة أو ناخب تونسي الجنسية منذ الولادة، دينه الإسلام». ولا يشترط في المترشّح يوم تقديم ترشحه إلا «أن يكون بالغا من العمر خمسا وثلاثين سنة على الأقل. وإذا كان حاملا لجنسية غير الجنسية التونسية فإنه يقدم ضمن ملف ترشحه تعهدا بالتخلي عن الجنسية الأخرى عند التصريح بانتخابه رئيسا للجمهورية». الأكثر من هذا أن القانون الانتخابي يكاد يستنسخ النص الدستوري في تحديد شروط الترشح لرئاسة الجمهورية والدليل أن الفصل 37 من القانون الانتخابي ينص على أنه «يحق لكل ناخبة أو ناخب تونسي الجنسية منذ الولادة، دينه الإسلام الترشح لمنصب رئيس الجمهورية» قبل أن يستعمل العبارات ذاتها والتركيب اللغوي نفسه في تحديد الشروط الواجبة في المترشح. القرار بيد الشاهد يحق ليوسف (أو زيد أو عمرو أو زكية أو حبيبة) أن يترشح لرئاسة الجمهورية متى توفرت فيه شروط الجنسية والدين والعمر المذكورة سابقا ولا يمكن لأحد أن يساومه أو يفرض عليه التخلي مسبقا عن منصبه أو وظيفته مقابل الترشح ولا حرمانه من الترشح مقابل السماح له بمواصلة عمله. الأدهي أن المساومة بدرت عن طرف حزبي والحال أن هناك أطرافا أخرى محايدة خول لها القانون دون غيرها أن تبت في مدى توفر الشروط لأن الطرف الحزبي يمكن أن يكون غدا خصما للشاهد ولا يمكنه بالتالي أن يكون خصما وحكما في الوقت ذاته. مبدئيا تبدو النهضة مخطئة من زاوية قانونية ودستورية وحقوقية لكنها ليست في موقف المتهم إذ يكفيها أن تتعلل بقرينة براءة لا لبس فيها وهي أنها نصحت فقط، وعلى فرضية وجود المساومة فإنها لم تحرم الشاهد من حقه الدستوري بل قايضته وتركت له حرية اتخاذ القرار فإما أن يحمي حكومته وبقاءه على رأسها وإما أن يختار الترشح للرئاسية وعليه أن يختار بكامل وعيه وحريته ويتحمل لوحده عاقبة خياره. عرض سياسي المسألة مختلفة تماما من الناحية السياسية حيث تتوارى مصطلحات المساومة والاشتراط والضغوط وراء مصطلح واسع المعنى اسمه المصلحة أو المنفعة. في السياسة يمسك كل طرف بآلته الحاسبة ليحسب ما يخسر وما يربح من كل عملية وفي هذا تبدو علاقة النهضة بالشاهد كعلاقته ببقية الأطراف، فإذا كان اتحاد الشغل ونداء تونس والوطني الحر... مع إسقاط حكومة الشاهد بحثا عن المصلحة، فإن حركة النهضة مع تثبيتها. المشكلة في هذا أن دفاع الحركة الحالي عن الحكومة قد يضر بها على المدى المتوسط أي عندما يستغل الشاهد موقعه في الاستعداد مبكرا للاستحقاق الرئاسي القادم ومن حقها بالتالي ان تدافع عن مصالحها عبر تعهد من الشاهد بعدم الترشح. في السياسة هناك تبادل للمنافع والمصالح، والنهضة حرة في دعم الحكومة أو التخلي عنها بما يضمن مصالحها مثلما للشاهد كامل الحرية في الالتزام بعدم الترشح أو رفضه بما يحفظ مصالحه. في النهاية نحن أمام نوع من المقايضة أو المساومة ولكن الأقرب للصحة أن نصفها بالعرض السياسي الذي يحفظ للنهضة حقوقها وما على الشاهد إلا أن يرد بما يراه صالحا له وفق تقديره. «نصيحة وليست شرطا» قال القيادي في حركة النهضة عبد اللطيف المكي إن «دعوة النهضة رئيس الحكومة يوسف الشاهد إلى الالتزام بعدم الترشّح للانتخابات الرئاسية 2018 موقف قديم وجاء من باب النصيحة لأنّ الدستور يسمح له ولأي تونسي بالترشّح». وأوضح في مداخلة له مؤخرا على أمواج «موزاييك آف آم» أنّ الدعوة لا يمكن تنزيلها في إطار ‹›الشرط لأنّها جاءت بعد اتخاذ الموقف الذي سبق أن أعلن في جلسات أخرى، وهي جاءت في شكل نصيحة كي لا يكون خط الحكومة في الأداء مسكونا بهاجس انتخابي تحضيرا ل2019 ويتم تناسي الاصطلاحات الاقتصادية والاجتماعية››. «مطالب بالاستجابة» أكد القيادي في حركة النهضة محمد القوماني أن «رئيس الحكومة (يوسف الشاهد) مطالب بالاستجابة لدعوة حزب حركة النهضة الداعمة له بإعلانه صراحة عدم الترشح للاستحقاقات الانتخابية القادمة عام 2019». وأضاف مؤخرا في تصريح للجزيرة نت قوله: «وإلا فإن الحركة ستتخذ حلولا أخرى». «طموحات سياسية» يرى أستاذ القانون الدستوري أن «الشاهد لديه طموحات سياسية للترشح للانتخابات الرئاسية لسنة 2019» ويوضح عبر ما نقلته عنه مؤخرا «الجزيرة نت» أن «من مصلحته البقاء مدة أطول في الحكومة قبل الاستقالة منها نهاية هذا العام على الأقل، وذلك ليس إيمانا بقدرته على إصلاح الأوضاع المتردية ولكن حتى لا يقع بطي النسيان».