لم يعد مخفيا أن قضية جميلة بوحيرد أصبحت مرتبطة ارتباطا عضويا بقضية الجزائر ككل كلما زادت الأحداث تواترا وحدّة خارج السجن وتضييق الأمور داخله على جميلة واشتد عليها الخناق وكثرت التقييدات التي تفرض عليها. وفي احدى ليالي شهر جوان 1957 القيت قنبلة على أحد النوادي الليلية التي كان يتردّد عليها الأوروبيون في ضواحي الجزائر العاصمة وقتل وجرح عدد منهم. وقد أثارت هذه الحادثة من جديد سخط المستعمر. ودفعت بالكثير منهم إلى المطالبة بتنفيذ حكم القصاص والرد على الدم بالدم، وضغط بعض الناس على المحكمة لتعجّل بمحاكمة الموقوفين من قيادي الجبهة وهو ما حصل فعلا حيث حدد موعد الجلسة أيام 11 و 12 و13 جويلية وسط دهشة فريق الدفاع الذي كان يأمل بتواصل التحقيق على نسق عادي. ولما حاول المحامون تأخير المحاكمة إلى شهر سبتمبر للحصول على ملف تام للقضية رفضت المحكمة. أحيلت إذن جميلة بوحيرد على المحكمة العسكرية بتهمة الإرهاب وقتل مواطنيها الفرنسيين. وتأكيدا للتهمة استندت المحكمة الى اعترافات أحد مناضلي جبهة التحرير الموقوف بالسجن محمد طالب صانع المتفجرات الذي أعلن انه أعرض عن نشاطه ما إن علم ان القنابل التي كان يصنعها استعملت في عمليات ارهابية في المدينة ضد مدنيين وقرر الالتحاق بالمقاومة في الجبال لكنّ المظليين قبضوا عليه في أواخر شهر أفريل وأرغموه على الاعتراف بتورط جميلة بوحيرد في العمليات الارهابية. لكن محمد طالب أنكر أمام قاضي التحقيق ما دونه عنه جنود المظلات من اعترافات تورط جميلة وقال إنه لا يهمّه ان يقطع رأسه مادام ذلك ثمن نشاطه النضالي لكن لا يمكنه أبدا أن يتحمّل مسؤولية توريط امرأة (جميلة) لا تربطه بها سوى وحدة التفكير والايمان بنفس القضية. كما أضاف ان ياسف السعدي قائد المنطقة الحرة بالجزائر العاصمة لم يؤكد له ان جميلة بوحيرد هي التي زرعت القنبلة التي انفجرت في محل «الملكبار» في الحي الأوروبي للجزائر العاصمة مساء الأحد 30 سبتمبر 1956. ومن المؤيدات التي استعملها القاضي كذلك لتوجيه تهمة الارهاب إلى جميلة بوحيرد اعترافات رفيقتها جميلة بوعزّة المناضلة في قسم الاتصالات السرية في جبهة التحرير والمتورطة في عملية زرع القنبلة في محل «الكوك هاردي» في نفس يوم 30 سبتمبر. لكن جميلة بوعزّة تراجعت عن أقوالها وأفادت بأن اعترافاتها الأولى التي ورطت فيها جميلة بوحيرد قد انتزعت منها انتزاعا تحت التعذيب. وقد حضرت جميلة بوعزّة إلى المحكمة محطمة المعنويات وكان واضحا ان ما عانته من ويلات الاهانة وسوء المعاملة والتعذيب والمخدرات التي أرغموها على تناولها قد أفقدها عقلها فكانت تقوم خلال الجلسة بحركات جنونية وتتحدث حديثا مشوشا وغير مترابط. واستغل الفريق المدافع عن جميلة بوحيرد حالة جميلة بوعزّة لتوجيه أصابع الاتهام لممارسات جنود المظلات الوحشية والتي أدّت إلى هذا الوضع المحزن التي كانت عليه جميلة بوعزّة وشكّكوا في قيمة اعترافاتها وما صدر عنها من شهادة تورط منوّبتهم جميلة بوحيرد. كما كان هناك متهم ثالث لجميلة بوحيرد وهو عضو الحزب الشيوعي الجزائري ريموند ريشار التي ألقى الجنود القبض عليها ودونوا اعترافاتها التي تورط جميلة بوحيرد لكن ريموند ريشار لقيت حتفها قبل انعقاد جلسة المحاكمة واحتفظ القاضي رغم ذلك باعترافاتها بدعوة علاقة القرب التي تجمع بين ريموند وجميلة وهو ادعاء باطل المراد منه ضرب الحزب الشيوعي الجزائري الذي كان مؤيدا لنضال جبهة التحرير. ورغم كل ما كان يشوب الشهادات الثلاث التي تتهم جميلة من شكوك تؤكد براءتها فإن ضغط الاستعمارين تواصل في تصاعد للمطالبة باعدام هذه المرأة التي بدأت تتحول إلى رمز خطير.