لم تكن جميلة بوحيرد لتنخدع بعدالة المحكمة الاستعمارية ولم تكن تساورها أية أوهام في هذا المضمار، لكن لم تكن قطعا خائفة وكانت تهيئ نفسها باستمرار، مستعينة بالصلاة والذِّكْر، للموت والشهادة. وكانت تدرك في الوقت ذاته أن حالة الضعف لم تعد من جانبها بل أصبحت من جانب جلاديها الاستعماريين الذين صاروا رغم عددهم وعتادهم يشعرون بالارتباك والقلق وينتابهم إحساس عميق بأنهم محاصرون تحت ضغط ردود فعل الرأي العام الشاجب والمندّد في العالم وحتى في فرنسا ذاتها. وأدركت حينها أن إيداعها سجن بربروس كان خطأ لم تقدّر السلط الاستعمارية فداحته فعملت هي ورفيقاتها في السجن على استغلاله لصالح قضيتهم بالتنسيق مع خلايا جبهة التحرير بعد رفع نظام السرية عنهن. وخططت جميلة بوحيرد أن تضرب الاستعماريين في المكان الذي يؤلمهم أكثر وذلك بفضح ممارساتهم اللاإنسانية والتي هي في تعارض تام وصارخ مع ما تتشدّق به فرنسا من تشبّث بحقوق الانسان ومن أنها مهد القيم الانسانية السامية وما ترفعه من شعارات برّاقة وخصوصا منها ثلاثية الحرية والمساواة والأخوة فكتبت الى قاضي التحقيق العسكري في نهاية شهر ماي 1957 لتشكو ممارسات العسكريين المظلّيين ولتؤكد أنه بعد انقضاء أكثر من خمسة أسابيع على القبض عليها، وشهر على اختطاف جنود المظلات لها، وثلاثة أسابيع على مثولها أمام المحكمة، لن يتخذ أي قرار ولا عقوبة ضد الذين كالوا لها أنواعا من العذاب والإهانة وهم أنفسهم الذين اختطفوا أخاها الصغير وعددا من أبناء مناضلي جبهة التحرير بدعوى تورّط أوليائهم في أعمال عنف وإرهاب. وذكرت جميلة أنها رفعت شكوى الى عميد قضاة التحقيق تلفت نظره الى ضرورة إجراء كشف طبي سريع لها وطلبت إليه بإلحاح إيفاد طبيب على الفور ولكن القاضي انتظر عشرة أيام لإبلاغ الطبيب، والطبيب انتظر سبعة أيام ليَقبل بالمجيء لفحصها وحين جاء انتظر أياما طويلة قبل أن يلاحظ في تهكّم لا يخلو من عنصرية أن الجراح التي على جسمها سببها احتكاك أو ضربة عصا لكن جميلة أصرّت أن جراحها سببها ما قاسته من آثار شدّها بالسلاسل وحرقها بالكهرباء مثلما تشهد بذلك رفيقاتها في الأسْر ومنهن خصوصا الدكتورة جانين بلخوجة التي كانت معتقلة معها والتي قامت بفحصها في السجن المدني وقد جاء تقريرها عاكسا لما قاسته جميلة من الإصابات الأليمة لتختم تقريرها بأن (حالتها العامة سيّئة وتلاميح وجهها ذابلة وجسمها ضعيف). لم يكن يهمّ جميلة بوحيرد كثيرا ما ستلقاه رسالتها لدى قاضي التحقيق العسكري من ردّة فعل مادية لكن ما كان يهمها هو أن تُصيب جلاديها في مقتل بعد أن تضعهم وجها لوجه مع جرائمهم الأخلاقية وأن تضرب بعد ذلك العدالة الاستعمارية المزورة والكاذبة. وقد زاد من ارتباك السلط الاستعمارية أن رسالة جميلة بوحيرد وصلت الى بعض الإعلاميين في فرنسا وبلدان أخرى أوروبية فجنّ جنون الاستعماريين وأرادوا التعجيل بالمحاكمة ويوم أُبلغت جميلة بتاريخ وقوفها أمام قاضي التحقيق قالت في نفسها: «أنا الآن مستعدّة للانتصار».