تونس (الشروق) تعتبر مدينة المرسى المكناة ب»أم القلوب» والمتواجدة في موقع استراتيجي بالضاحية الشمالية لمدينة تونس موقعا ثريّا بالمعالم الحضارية الخالدة الدالة في شموخ على تعدد الحقبات التاريخية التي مرّت بها إضافة إلى التنوع التراثي المادي واللامادي. وتتنوّع صور مشاهد المدينة السياحية بمفاتنها الطبيعية الساحرة بخضرة حدائقها وفضاءاتها الخضراء وجمال بحرها وشاطئها وكورنيشها العامر بحركة الزوّار الأوفياء من التونسيين والأجانب ممّن يقصدون الفضاءات الخدماتية الراقية والشعبية على غرار المقاهي والمطاعم بوسط المدينة وضواحيها. ذاكرة الأصالة ومن بين هذه المقاهي نجد بوسط مدينة المرسى مقهى الصفصاف الشهيرة والمحاذية عن قرب لمسجد الأحمدي وقصر الناصر باي. ويعود تاريخ إحداثها الى سنة 1860 على يد الأب المؤسّس محمد البحري وهو بالأساس قاضي مالكي في عهد البايات. وكانت المقهى في البداية مقصدا لراحة وتلاقي قوافل التجار والمسافرين والرّحل ممن تجمعهم مياه البئر وأشجار الصفصاف وظلالها الوارفة ومن هنا اقترنت تسمية المقهى بالصفصاف. وعرفت باختيارها كوجهة لجلسات صفاء كبار رجالات الدولة والأعلام والمشاهير في مختلف المجالات كالفنّ والأدب والإعلام طلبا للرّاحة وقضاء أوقات ممتعة في المسامرة. هذا وساهمت المقهى في بروز الكثير من المبدعين. وبرغم تجديد المقهى خلال سنة 1968 على يد المهندس «فيكتور فالونزي» فقد حافظت على نمطها المعماري التونسي الأصيل ومكوّناتها الرئيسية كالبئر والصفصاف والناعورة وعلى تخصّصها التفرّدي في تقديم الأكلات والمشروبات التقليدية. روح تقليدية وتبقى مقهى الصفصاف عنوانا للالتقاء الصباحي لكثير من المثقفين والمتقاعدين من مختلف الشرائح الاجتماعية والوظيفية. وفي منتصف النهار والعشويّات والليل تفتح المقهى أحضانها لاستقبال كافة الشرائح العمرية وخصوصا العائلات المصحوبة بالأبناء بهدف الفُرجة على الناقة فتحية التي يقترن وجودها منذ القدم من خلال دورانها حول البئر. هذا ويكثر عدد الوافدين على المقهى خصوصا خلال شهر رمضان وموسم الاصطياف وذلك من قبل السيّاح الأجانب والوافدين من داخل جهات البلاد وخارجها إلى جانب عمّالنا بالخارج للاستمتاع بالراحة والأكلات والمشروبات التقليدية على أنغام الموسيقى التونسية الأصيلة كالمالوف وسهرات المدائح والأذكار الروحية الصوفية. خصائص متعددة تشهد مقهى الصفصاف بدعم من إدارتها على دعم الأنشطة الثقافية من خلال تشجيع المبدعين على إقامة معارض للفنّ التشكيلي وكذلك مناصرة مهنيي الصناعات التقليدية التونسية على تقريب آخر ابتكاراتهم وذلك ضمن الحرص على تشجيع المنتوج التونسي بخلق فضاء مفتوح على محيطه المحلي والوطني. ويندرج هذا التنوع في إيجاد حركة ثقافية فرجوية وترفيهية متعددة الخصائص ذات مسارات وأبعاد تجارية وتسويقية للمنتوج السياحي بمدينة المرسى من خلال الاستثمار في عبق تاريخ المكان والزمان الذي يفوح بثراء مخزونه التراثي المتجدد بالتحديث لتواصل المدينة حضورها الدائم كوجهة سياحية راقية لها حضورها لدى زوارها الأوفياء.