أكثر من 350 هكتارا أتت عليها النيران في الغابات خلال هذا العام، والحال أننا نعيش على وقع انطلاق موسم الحرائق، مع العلم أن هكتارا واحدا قد يكلف خسارة ب 20 مليونا. تونس الشروق: "نعيش حاليا في موسم مجابهة الحرائق في تونس، وهو يرتبط بنوعية المناخ، فالمناخ يتسم بانحباس الامطار وارتفاع الحرارة، وتراجع منسوب الماء بفعل التبخر في التربة والنباتات يسهل حدوث الحرائق"، هذا ما قاله مدير حماية الغابات بوزارة الفلاحة سمير بالحاج صالح في حديث مع "الشروق" كشف فيه آخر المستجدات حول حرائق هذا العام وأسبابها والخسائر المادية والبيئية وطرق الوقاية ونحن ندخل ذروة موسم الحرائق هذه الفترة. أسباب وأمن تعود 85 بالمائة من الحرائق إلى أسباب بشرية معروفة منها أنشطة في الغابات والمناطق المحاذية مثل أعمال موسم الحصاد، وعملية استخراج العسل باستعمال البخار، وطبخ الشاي، كما برزت أسباب انتقامية وإجرامية بعد الثورة. وما لا يعرفه الكثيرون أن الغطاء الغابي هام لضمان الأمن الغذائي في تونس باعتبار أن الغابة هي التي تساهم في جذب الأمطار وحماية التربة من الانجراف ومن الفيضانات وحماية الغطاء النباتي والتصحر ومن التغيرات المناخية، فهي حلقة أساسية في التوازن البيئي. ويعيش مليون تونسي في الغابات، وموارد رزقهم من مواردها، لكن تهديد الحرائق قد يدفع بارتفاع نسبة النزوح وإحالتهم نحو البطالة. وإضافة إلى هذه الخسائر، تتسبب الحرائق في إبادة الغابة التي لا يمكن أن تعود إلى حالتها الطبيعية، مهما توفرت الإمكانيات، قبل أقل من 50 سنة :"نحن نعمل على إرجاع الغابات لحالتها الطبيعية من أجل الأجيال القادمة." ودعا محدثنا إلى ضرورة أن ينتبه المكلفون بالتنمية إلى إعطاء الغابة قيمتها. فهي الضامن لأمن التونسيين الغذائي ولصحتهم. أرقام واستعدادات لا يمكن المقارنة في الحرائق بين عام وآخر باعتبار تغير الظروف المناخية والظروف الأمنية والاجتماعية، حسب ما تحدث به المهندس سمير بالحاج صالح والذي كشف أنه ومن خلال معطيات سنوات 2016 و2017 و2018، وإلى 23 جويلية، تم على التوالي تسجيل : 212 حريقا أتت على 791 هكتارا في 2016، وفي سنة 2017 تم تسجيل 213 حريقا أتى على 1044 هكتارا، فيما شهدت كامل سنة 2017 حرق 17 الف هكتار، أما هذا العام فتم تسجيل حوالي 101 حريق أتوا على 350 هكتارا، أي ثلث حرائق السنة الماضية. واعتبر أن التصدي للحرائق مسؤولية الجميع، وتوجد الوحدات التابعة لإدارة الغابات في كامل المناطق الغابية من فرنانة وجبل سلوم الى الوطن القبلي، ومن الفايجة إلى بنزرت، وعلى ضفاف مجردة وفي جهات الكاف وساقية سيدي يوسف وباجة. وتمتد الغابات على 1.2 مليون هكتار، فيما يمثل الغطاء النباتي 7 بالمائة من مساحة البلاد، ويتم السعي إلى الوصول الى 15 بالمائة. وتم الانطلاق لمواجهة موسم الحرائق منذ غرة ماي بالعمل ليلا نهارا لمواجهة أي طارئ، وتمت الاستعدادات بتهيئة العناصر البشرية والبنية التحتية، واعتبر محدثنا أن الاطار البشري محدود فهو يمثل 40 بالمائة من الحاجيات. كما لاحظ نقصا في اليد العاملة المختصة في صيانة المسالك والاطفاء والتشجير، معتبرا أن إدارة المنابت تعمل بالحد الادنى من التقنيات. وهناك 160 برج مراقبة في تونس يعملون بأجهزة لا سلكية وتقنيات متطورة، ويتم في حالة الطوارئ الاستعانة بالحماية المدنية ووحدات الجيش في البر والبحر والجو، كما توجد 80 من الشاحنات الخفيفة سعة 600 لتر للتدخل السريع، إضافة إلى ما بين 40 و50 شاحنة اخرى سعة من 3000 الى 6000 لتر، ويتم التنسيق لتفادي الكوارث بالتنسيق بين عدة وزارات. تصاعد وإجرام تصاعد عدد الحرائق في الغابات بعد الثورة ومنها التي حدثت بسبب عصابات وأعمال إجرامية، منها من يريد القضاء على الغابة لاستغلال الأراضي في السكن والفلاحة (كما حدث في جبل شيشو) دون دراية بالكارثة البيئية التي تنجر عن إتلاف الغابات. وكان معدل الحرائق في حدود 1600 و1700 هكتار قبل الثورة، ولكن بعدها حصلت حرائق استثنائية ومنها في المناطق العسكرية المغلقة والتي لا يمكن الدخول لإطفائها، وقد تم تسجيل حرق 17 الف هكتار في 2017، و12 الفا في 2012 و2013. ويمكن الاستدلال على وجود أسباب إجرامية من خلال تواتر الحرائق في أكثر من مكان وفي أماكن لا يمكن الحديث فيها عن سبب بشري أو احتراق بسبب الكهرباء، وهو ما يجعل من تطويق النيران عملية صعبة رغم وجود 100 شاحنة جديدة، وهو ما يؤكد وجود عصابات اجرامية من حيث الزمان والمكان. واستهدفت هذه الحرائق التي لا يستبعد أن تكون بغايات إجرامية فتحت فيها تحقيقات هذا العام، ولاية سليانة حيث تقدر المساحات المتلفة ب 250 هكتارا. ويكلف الهكتار المحروق خسارة بين مليون ونصف و20 مليونا، وتصل تكلفة الطائرة التي تطفئ الحريق قرابة 10 آلاف دينار في الساعة، إضافة إلى أضرار في الحيوانات وحتى البشر، وانتظار 50 سنة على الأقل لعودة الغابة، ويمكن أن تعود الغابات طبيعيا لكن يتطلب النمو مرافقة ومراقبة من المختصين كما يتم سنويا غرس ما بين مليون و2 مليون شجرة في المناطق القاحلة. وهو ما يعني أن تكلفة الحرائق تتجاوز المليارات ولا تقدر بثمن.