حتما ومهما اختلفت الآراء والمقاربات والمواقف وتباعدت وجهات النظر فإنّ الأمل يبقى قائما لإخراج الحياة الوطنية والبلاد من أزمتها السياسيّة الخانقة. وقد سبق لبلادنا أن عرفت منعرجات على غاية من الخطورة والحدّة، وخاصة تلك التي وقعت بداية من يوم 14 جانفي 2011 وأيضاً ما وقع إبان الاغتيالات السياسية وذبح الجنود صائفة 2013. ولكن في النهاية لم تسقط بلادنا في الفوضى. وذهبت النخبة السياسيّة الى تحكيم العقل وتغليب المصلحة الوطنية على غيرها من الاعتبارات. وبقيت الدولة متماسكة. وحافظت على استمرارية خدماتها العموميّة وفِي حماية الوحدة الوطنية. وتحقَّق قدر مهم ومعتبر على الصعيد السياسي في وضع إقليمي ودولي معقّد قاد دول أخرى الى كوارث بأتمّ معنى الكلمة. هل الوضع اليوم أصعب ممّا عشناه سابقا؟ وهل الأزمة أشدّ وأعسر؟ وهلا تمتلكُ الأحزاب والنخبة السياسيّة والمنظمات الوطنيّة القدرة على الدفع بالأزمة المستفحلة إلى آفاق إيجابيّة في اتّجاه الحل؟ قد تختلفُ المقاربات في تشخيص الوضع الراهن. وهناك مؤشرات على غاية من الخطورة منها أساسا بداية انتقال الصراع السياسي الى داخل الدولة ووسط أروقة السلطة التنفيذية بين القصرين، قرطاج والقصبة. ولكن في النهاية لا بدّ من التشبّع بقدر من الجرأة والشجاعة وروح المبادرة البنّاءة في تحفيز الفرقاء السياسيّين على التوقّف حالا عن سلوك الشد والجذب والإسراع بإنهاء الممارسات السياسيّة العبثيّة الجارية حاليا، والتي قاربت أن تقطع العلاقات وقنوات التواصل المختلفة وتضرب في عمق كلّ القيم والمبادئ وتمسّ جوهر السيادة والوحدة الوطنيّتين. نعم، الحلول موجودة. وبالإمكان بلوغ تفاهمات بين مختلف اللاعبين بخفض منسوب العناد والمكابرة والنرجسيّة، ووضع المصلحة العليا للدولة والوطن فوق كلّ الاعتبارات. وسيكون ذلك ممكنا إذا ما تنازل كلّ طرف عن جزء من رأيه وعَدَّل الجميع مواقفهم في اتّجاه رأي توافقي جامع يتشاركُ فيه الجميع. إذ ليس من الحكمة في شيء أن يتواصل هذا العراك وكلّ يدّعي الصواب ورجاحة التقدير. فأصلا الوضعية المعقدة في البلاد على جميع المستويات تجعلُ من الصعب على أيّ كان الادّعاء بامتلاك التشخيص الواحد الصائب والرأي الحقيقة. ولا بدّ في هذا الصدد من التنويه بكلّ الأصوات التي تعملُ على التهدئة وتقريب الخواطر بعضها إلى البعض الآخر والحد من منسوب التوتّر وأيضا الإشادة بكلّ دعوة الى الحوار واستئناف النقاشات لإيجاد حل ومخرج سريع لما تعيشه البلاد من اختناق على أكثر من مستوى. ولا ضير في أن تتخلَّى بعض الأطراف عن نوازعها الشخصية الضيّقة وطموحاتها الذاتية في السلطة أو غيرها وأن يتواضع الجميع ويُبادروا بأسرع وقت إلى الجلوس معا وإزاحة كلّ العقبات أمام توافق وطني شامل يرسمُ خارطة طريق للمستقبل القريب تماما كما حدث سنة 2013. فحينها تصاغرت الأنفس والأهواء أمام عظمة الوطن ولم يتضرّر أحد من مبادرة الرباعي الراعي للحوار الوطني واستفادت البلاد كثيرا.