يمكن لمعركة بسيطة بين شابين في الشارع أن تتحول الى جريمة قتل وقصاص بين أسرتيهما. ويمكن لضحية السرقة والنهب أن يمارس القصاص دون رقيب ! تونس الشروق: اسماء سحبون يحدث هذا في مناطق عديدة في تونس حيث ينصب ضحايا أحداث العنف وضحايا السرقة والنهب «المشانق» للمعتدين وذلك بمحاولة القصاص منهم بعيدا عن القانون. وهي ظاهرة اجتماعية ان دلت على شيء فهي تدل على بداية تفكك الدولة وانهيار سيادة القانون. فوضى تطالعنا من حين الى آخر في موقع «فايسبوك» فيديوهات وصور لعمليات جلد واعتداء على لصوص ومعتدين وإن ملك الضحيّة شرعية التصوير والنشر فإن المعتدي حين بادر بالنهب والسرقة والاعتداء وقد يكون أشد قتلا وأشد عنفا من جلاده لم يوثق جريمته فكان أن تصور المتلقّي سيناريو ما كان ليحصل وهكذا يجد فيديو الضحيّة - الجلاّد الرواج والدعم و»زيدو يستاهل» و»يرحم والدين الرجال». يحدث كل هذا وسط غياب كلي لأي مؤشرات تدل على احترام سيادة القانون والدولة الامر الذي دفع بالناشط الحقوقي مصطفى عبد الكبير الى إطلاق صيحة فزع منتصف شهر جويلية استنجادا بالسلطات للتدخل ووضع حد «لانتشار الفوضى والاحتكام للمحاكمات الشعبية» مضيفا «بغض النظر عن أفعال المجرمين المرفوضة فإن محاكمتهم لا تكون الا عبر المسالك القانونيّة فما يحصل أمر خطير والخطر الأكبر انتشاره لأنه مؤشّر على انتفاء دور الدولة». وقد حدث مؤخرا أن انتهى شجار في حفل زفاف بمدينة حاجب العيون بالقيروان بإصابة 5 أشخاص تم نقل اثنين منهم الى المستشفى الجهوي بالقيروان. كما تم حرق منزل أحد الأطراف المورطة في الشجار مما أسفر عن استنفار أمني مكثف في الجهة خوفا من الانتقام. والى جانب انتشار مظاهر الفوضى والعنف والجريمة ومحاولات القصاص والاحتكام الى المحاكمات الشعبية فإن المزاج التونسي الجديد شُرِّعَ على اللاّقانون من ذلك شن اضراب عشوائي لأعوان شركة نقل تونس عشية الخميس الماضي بشكل شلّ حركة النقل في العاصمة طيلة ساعتين ونصف. وتتجه الأجواء في تونس نحو المزيد من الاحتقان الاجتماعي مع نهاية هذه الصائفة. وقد تبرز خلالها الاضرابات العشوائية حتى وإن كان مجالها حيويا. استنقاص الدولة عن هذا المزاج التونسي الجديد تحدث طارق بالحاج محمد الباحث في علم الاجتماع ليقول إنه «بعد ثماني سنوات من الثورة برزت ظواهر ومؤشرات تنم عن ضعف متزايد للدولة وأجهزتها وحالة وعي متدنية لدى المواطنين ومنسوب ضعيف من الوطنية والمواطنة يشترك فيه الجميع بدون استثناء كل حسب موقعه وكأن الجميع ينتعش في غياب سلطة القانون والمؤسسات». وأضاف القول«إننا أمام حالة استثنائية لم تعرفها تونس من قبل تتسم بانفلات الغرائز وضعف الوازع وشبه غياب للقانون والإفلات من العقاب. وكأنها حالة من الهستيريا الجماعية غير المسيطر عليها». كما قال إن فترة ما بعد الثورات والمراحل الانتقالية تمثل عادة بيئة خصبة لظهور الاضطرابات السلوكية والنفسية. وكأنها عبارة عن أعراض جانبية تخلفها كل ثورة. وهذا أمر مفهوم من وجهة نظر علمية لسببين رئيسيين على الأقل: أولا أن كل ثورة اجتماعية لم تسبقها أو تواكبها ثورة ثقافية تتحول من فرصة للتحرر الاجتماعي إلى فرصة لانفلات الغرائز في أكثر جوانبها بدائية وعدوانية، وثانيا أن الثورات تهدم عادة البنى والمؤسسات الاجتماعية والثقافية التي كانت سائدة دون أن تعوضها بسرعة ببنى أخرى توفر الإجابات اللازمة للإنسان مثلما رأينا التونسي في أبهى تجلياته رأيناه أيضا في أكثر صوره ضعفا وقبحا. ولاحت لنا بقوة ملامح التونسي المستنفر والمضطرب والقلق الذي يرتفع عنده منسوب العنف والعدوانية مما أعطانا مشهدا للانفلات الاجتماعي منقطع النظير انطلاقا من الفضاء العام وصولا إلى الحياة العائلية. ومع تراجع سطوة الدولة وجبروتها السابق ومع عدم قدرة مؤسسات ما بعد الثورة على التكيف مع هذا الواقع الجديد تجرأ عليها المواطن كما تجرؤوا على غيرهم من المواطنين. وهذا يعكس حالة من الوعي الجماعي البدائي الذي يرى في الدولة عدوا وفي الامتثال للقوانين عقوبة أو استنقاصا.