لم أكن أسمع بمدينة جميلة من ولاية سطيف شرق الجزائر قبل أن أتلقى دعوة من مهرجانها الدولي في دورته الرابعة عشرة، كنت أعرف مدينة سطيف عاصمة الشرق من خلال تاريخها في مواجهة الاستعمار الفرنسي ومذبحة ماي 1945 وكذلك من خلال سنوات الارهاب في التسعينات إذ كانت المدينة من أكثر المدن التي استهدفها الارهاب الذي عصف بالجزائر من 1991 الى 1998. مدينة جميلة تفصلها عن عاصمة الولاية سطيف حوالي خمسين كلم، طريق دائرية ذكرتني بطرق بني خداش ومطماطة في الجنوب وطبرقة وعين دراهم في الشمال الغربي ، مدينة مزروعة في الجبل يعود تأسيسها الى أواخر القرن الاول ميلادي وهي مصنفة ضمن التراث العالمي لمنظمة اليونسكو ، تحيط بالمدينة المغروسة في الجبل سهول من القمح والغابات الشاسعة وقد بلغت مجدها في عهد أسرة الأنطونان وهي من أشهر مدن نوميديا التي كانت لها امتدادات في تونس وخاصة بين القصرين وقفصة: تاريخ تاريخ المدينة تأسس حول مجموعة من المعالم مازالت آثارها شاهدة عليه مثل مسرح كويكول الذي تقام فيه فعاليات مهرجان جميلة الدولي منذ أربعة عشر عاما والكابيتول والمحكمة ومعبد فينوس وقوس النصر المعروف بكركلا والحمامات والمنازل والمعبد الذي تم تشييده تكريما لأسرة سيفيروس. فآثار جميلة مازالت تحتفظ ب"الكابيتول" الذي يمثل المركز الديني والسياسي وكان مخصصا لعبادة الآلهة جوبيتر وجونو ومينيرفا تحطمت بفعل الزمن بعض أجزائه لكن مازالت مدارجه سليمة وكذلك أعمدته التي يصل بعضها الى 14 مترا أما المسرح فحافظ على حالته بشكل كامل تقريبا يذكرنا بالمسرح الرومانية في تونس مثل قرطاجوسبيطلة وأوذنة والقصرين ويتسع لحوالي ثلاثة آلاف متفرج وتخصص المقاعد الاولى لأعضاء مجلس الشيوخ والفرسان. ومازالت منازل جميلة الرومانية على حالة جيدة نسبيا تذكرنا بمدينة سبيطلة الأثرية وأحيائها وقد وجدت أثناء الحفريات الكثير من النقوش والفسيفساء التي تم الاحتفاظ بها في متحف جميلة متحف جميلة أحدث داخل حديقة وفيه مجموعة نادرة من الفسيفساء ذات الألوان المستوحاة من الأساطير وينقسم المتحف الى فناء وثلاث غرف فيها الفسيفساء والمنحوتات كما نجد في المدينة الاثرية التي أقيمت حولها المدينة الحديثة الحمامات التي تميٌز معمار المدن الرومانية في شمال إفريقيا. طيبة الناس ما يلفت الانتباه في مدينة جميلة هو طيبة الناس وعفويتهم وترحيبهم بالتونسيين خاصة فمنذ وصولنا الى جميلة لم ينقطع الترحيب بِنَا في المحلات الصغيرة على طول الطريق الرابط بين سطيف وجميلة. وهي ميزة في الحقيقة لا تختص بها جميلة فالجزائريون يكنون حبا كبيرا لتونس الى حد الشعور أنك لم تغادر تونس فالتشابه كبير بين جميلة ومدن الشمال الغربي مثل عين دراهم وفرنانة وشتاتة ونفزة حتى في مستوى الغطاء النباتي والمياه الباردة النابعة من الجبال غادرنا جميلة وهي تحتفل بالدورة الرابعة عشرة لمهرجانها الدولي المخصٌص هذا العام للجزائريين فقط.