"بلاد النخلة ما تخلى" مثل متداول بمعنى ان البلاد التي ينبت فيها النخيل ويحافظ عليها اهلها من جيل الى اخر لا يعرف الجوع ولا الحاجة وواحة حمادي القبلي بجرجيس هي امتداد لواحة السويحل وحسي الجربي تتمركز في الناحية الجنوبية للمعتمدية لها من العمر ما يزيد عن قرن من الزمن وجدت الارضية الملائمة للنمو في منطقة تميل ارضها الى السباخ . نشأة الواحة كغيرها من الواحات بالجنوب الشرقي ارتبط وجودها ارتباطا وثيقا بزراعة النخيل والنخلة كانت وستبقى مصدر رزق وعنصر من عناصر التوازن البيئي بالواحات وابان الاستقلال تم انشاء ابار ارتوازيه لتمكين مالكي المئات من اصول النخيل من سقيها بالتداول عبر مجاري مياه تم انجازها من قبل الدولة تحاذي الطريق وتشق هذه المجاري الاحياء وكانت تحيط بها مساحات شاسعة من مادة القصب والرمان وتوجد بهذه الواحة عدة انواع على غرار الرطبي والتمري والعلاقي واللمسي. واحة حمادي بين الامس واليوم قبيل اكتساح المباني لهذه الواحة في بداية السبعينات وبداية الثمانينات كان للواحة القها كيف لا وهي العطية الثانية من الله بعد شجرة الزيتون النخلة التي يتفرع جريدها من قلبها منقوشا في السماء تعانق الضياء كأنّها نافورة خضراء مثلما وصفها الاديب التونسي البشير خريف ذات سعف لين ويشتد عند اقترابه من الثمرة. ظلال ورطوبة عالية مكونات النخلة كانت تستغل في مختلف المجالات واثبتت التجربة ان نواة التمر تصلح لان تكون علفا جيدا للماشية مما ينتج عنه زيادة انتاج الحليب واللحوم فضلا عن استغلال الاخشاب كمادة اساسية في البناء وصنع الابواب والاكواخ ومقاعد والطاولات في فضاءات سياحية عادة ما يتم تنظيف ما علق بها من صنور , كما يتم استغلال عراجيل النخل في صناعة الغرابيل لتنظيف الزيتون وعزله عن الاتربة والاوساخ , في هذا المكان حيث الواحة بحمادي القبلي لا يتم غراسة انواع اخرى من اشجار الزينة او اشجار اخرى تستظل تحتها العائلة اذ ان تشابك النخيل يوفر الظلال والمحيط الطبيعي النقي ,احد المالكين لعدد كبير من اصول النخيل التي تجاوز عمرها قرنا من الزمن حاول بعض اقربائه بليبيا حمل شتلات من نخيل واحة جرجيس لزرعها في ليبيا وتعامل معها باسلوب علمي لكن ثمارها لم تكن كثمار نخيل جرجيس حلو المذاق. عذرية الطبيعة مهددة بالتلاشي المناخ السائد في عموم الواحات وثرائها الطبيعي أسهم في تأمين نمط حياتي بروافده البيولوجية ومراياه البيئية وواحة حمادي ليست في أحسن أحوالها، فعوامل كثيرة تهدد وجودها وبعض اصنافها وقد تراجع انتاجها فقد توفر ما بين 10 الى 50 كلغ من الثمار اثناء العشرية الاولى والثانية من هذا القرن وقد قدر اجمالي صابة التمور بواحة جرجيس عموما في القرن الماضي ب10 الاف طن، ناهيك عن الحرف اليدوية التراثية التي يتعمد على الجريد والسعف و"الكرناف" والعرجون واذا استمر وضع النخيل على ما عليه اليوم سنفقد ثروة اساسية لا بديل لها الا بحماية التنوع البيولوجي المهدد بالزوال لعدة اسباب لعل من اهمها عدم العناية وشبح العطش، بعدما تم قطع المياه عليها لسنوات في أعقاب تأثر المخزون الباطني من المياه الجوفية التي كان يتزود بها أهل الواحة على مدار سنوات طويلة ورغم اهمية انتاجها في الثمانينات وبداية التسعينات، فهي بحاجة الى دراسة او مخطط لاحيائها.