بقلم المؤرخ محمد حسين فنطر (المختص في التاريخ القديم والآثار الفينقية البونية وتاريخ الأديان) وفي قبرص تمّ اختطاف العذارى اللائي كنّ على الشاطئ تبغين إهداء بتولتهنّ الى الربّة عشترت، فهل إهداء البتولة في قبرص من تقاليد الفينيقيين أمّ هي شعيرة من ثوابت الجزيرة؟ فلا شك أنّ قبرص ساهمت في حوك أسطورة عليسة التي غادرت مياه قبرص ومعها جزء منها سيكون له تأثيره في سبك الحضارة البونية في غرب البحر المتوسّط، ثمّ إنّ المجموعة أصبحت بعد مرورها بقبرص متكاملة فيها ما يستوجبه بناء مستوطنة تستطيع البقاء ففيها القدس والحلّ وفيها الأنوثة والرّجولة، فمشروع مدينة متكامل أتى به المهاجرون وكأنّ أسطولهم سفينة نوح تبحث عن شاطئ السلامة لتلقي مراسيها حتى يطمئن من عليها وينتشروا في الأرض. ما انفك الأسطول يمخر البحر أياما عديدة بلياليها حتى شقّ أمواج خليج يشرف عليه جبل ذو قرنين، فاقترب من الشاطئ ونزل الجميع وجرّت السفن نحو اليابسة فسرعان ما انتشر خبر وجودهم، وكان الاتصال بالأهليين وأولي الأمر عندهم، ولا شكّ أنّ ظروف اللقاء وملابساته وفّرت للأسطورة خيوطا تساهم في حوكها ومنها عشق الملك يربص لعليسة ولعلّ رأس الثور ورأس الحصان المشار إليهما عند حفر الأساسات من رصيد هؤلاء المزارعين المغرمين بالخيل والفروسية. أمّا حيلة جلد الثور، فثابت أنّها من خيال الإغريقي والتّورية الجناسيّة Calembour وذلك على أساس علاقة صوتية بين الكلمة الإغريقية بورصة Bursa وإحدى الكلمتين التاليتين: الأولى بيرصة وهي من معجم اللغة الآرميّة ومعناها القلعة والثانية برصة وقد أثبتها ابن منظور في لسان العرب حيث قال: البرصة بضمّ الباء هيّ البلّوقة بضمّ اللام وجمعها براص بباء مجرورة، وهي أمكنة من الرمل الأبيض ولا تنبت شيئا، فكلا الكلمتين تنسجم مع السياق، ذلك أن حلّت بشاطئ رماله ممتدة تشرف عليه ربوة كالحصن الحصين. هذا وقد فضّل غالب المؤرخين فرضية القلعة. وممّا تجدر الإشارة اليه وجود كلمة بأرصة مسطورة على عملة قرطاجية وقد تكون هذه الكلمة البونيّة أساس التورية الجناسية المشار إليها، ومن الذين تناولوا تلك النقود بالدرس وتحليل كلمة بأرصة رأوا أنّها تتركب من حرف ب الذي يحدّد المكان فبكلمة بأرصة يعلن المكلّفين بضرب العملة أنّ النقود التي تحمل تلك العبارة ضربت بأرض الوطن أي بقرطاج نفسها مع العلم أنّ كلمة أرصة تعني الأرض بمعنى الوطن. أمّا إذا اعتبرنا بأرصة كلمة واحدة تتركب من أربعة حروف يجوز اعتبارها منطلق التورية الجناسية التي أوحت بحيلة جلد الثور.