ليس أشد تأكدا اليوم ونحن نحتفل بعيد المرأة-من المبادرة بتحية لجنة ‹›الحريات الفردية والمساواة» وعلى رأسها الاستاذة بشرى بلحاج حميدة على ما بذلت بروح نضالية عالية من جهد مشكور كانت نتيجته تقريرا على غاية من الأهمية في مسار تصور آليات تحقيق القيم السامية في المعيش التونسي اليومي'وفي سياق تأكيد الريادة التونسية التاريخية في تجديد الحضارة العربية والاسلامية 'وفي مجرى تلبية أشواق التونسي إلى الحرية 'سعيا دائما إلى صحة الانتماء الى «سنن الزمان»'ولو كره محترفو تقزيم «الهوية الوطنية التونسية››. وفي تقديري أن ما تعرضت له اللجنة عامة و الاخت بشرى خاصة من ثلب وكذب وتهديد بالاعتداء إنما هو دال على إن التقرير أصاب من ‹›الرجعية›› بقيادة « الإسلام السياسي» المقتل.وكان لابد من أن تقوم مؤسسات الدولة بواجبها الذي يفرضه القانون في مثل هذه الحالات .فالاعتداء المادي او اللفظي أوالكذب او التزيف جرائم لا يمكن بحال من الاحوال تنزيلها منزلة ‹›حرية الراي ‹› 'وإلاّ كانت الحرية وأدا للحرية . وعلى قدر ما دلّ تقرير اللجنة على ثقافة قانونية عميقة موسعة ' وما جاء به من مقترحات تراوحت بين الجودة الراقية والجرأة العالية 'فقد بقي في حاجة ماسّة إلى›› تتمة منهجية وابستيمولوجية وثقافية ترتقي به الى التبصر بشروط انجاز رؤاه الطموحة. .1/فأما التتمة المهنجية فيقتضيها أن التقرير «وضعاني ‹›الأفاق '»واقعي»المنطلق على معنى انه انشدّ إراديا الى «وقائع قائمة›› مهما كان طبيعتها ومهما علت قيمتها عند الآخذين بها:دستور 2014 والقوانين الوطنية الجاري بها العمل ' فضلا عن النصوص العالمية ذات الصلة ‹›بحقوق الذات الانسانية›› . وليس يخفى ما في هذه المقاربة من محدودية تجعله عرضة لتزييف ‹›المتفيهقين›› وتشنيع المتعالمين وفي تقديري انه كان للجنة أن تطرح الإشكال المعروض عليها من «موضع ‹›آخر 'هو في حلّ من جميع المراجع الدستورية والقانونية' الوطني منها والدولي .انه «الموضع»الذي علية تتأسس أصليا وبإطلاق ' تلك المراجع ذاتها ومنه تستمد شرعيتها. فليس›› للقانونية›› أن تحل محل ‹›الشرعية» كما لا يصح رد ّ «الشرعية»إلى «القانونية››. وهكذا يكون من الضروري طرح الإشكال على النحو التالي :كيف يجب تصور الإنسانية فينا حتى تكون الحرية حقا أصليا مشروعا حتى ولو أنكرته جميع قوانين الدنيا ورفضه جميع ‹›متفيهقي ‹›جميع الأديان ؟ . وما من سبيل الى إجابة ممكنة عن ذلك السؤال إلا بمصادرة أساسية هي مصادرة الحرية قيمة مطلقة 'لا فوق فوقها ' ولا تحت تحتها' ولا قيمة إلا منها و بها' أصلا نصدر عنه فكريا وغاية نسعى إلى تحقيقها يسيرا يسيرا في التاريخ .وهل تاريخ تونس الا سيرورة مثل تاريخ الانسانية قاطبة الا تاريخ تنزيل الحرية 'قيمة مطلقة ثابتة في الواقع النسبي المتغير ؟ وبالتالي فإنسانيتنا حريتنا حتى انه لايكفي ان نقول ان الانسان حر بل انه الحرية ذاتها .وإذا كان لنا ذلك ' لزم عليه ضرورة القول بالمساواة باعتبارها شرطا من شروط تصور الانسانية فينا بصرف النظر عن التأنيث والتذكير'على مابينه بوضوح صاحب ‹›العقد الاجتماعي ‹› الم نقرأ في البخاري وفي التوراة والاناجيل وعند ابن عربي وديكارت ...أن «الله خلق الانسانة على صورته››؟.الم يذهب صاحب ‹›نقد العقل المحض « إلى ان «»الله خلق الانسان للحرية»؟ وهل من تلاق بين الذات الإلهية والذات البشرية إلا عند موضع «المطلق» ذاته؟وهل من مطلق يجمعهما بتقدير الهي إلاّ ‹›الحرية› ؟أليس قدر الله فينا انه خلقنا أحرارا بإطلاق ؟وهل يركز للحرية معنى في الذهن البشري دون معنى المساواة بين الجمع وفي جميع إبعاد الوجود البشري ؟ 2/ وإذا كان الأمر على ما ذهب اليه اجتهادنا' لزم عليه إشكال ابستيمولوجي لنا ان نصوغه على النحو التالي :كيف يمكن فهم النص القراني من موضع أ)التسليم بالحرية فكرة مطلقة ب)وباعتبارها قدر الله فينا ج) وما تلزم به الحرية من تسليم بالمساواة التامة بين البشر ؟ .ولا ريب ان صياغة السؤال على هذا الوجه توجب إعادة النظر في الفروق بين ‹›البينات ‹› و››المتشابهات» ابستيمولوجيا و بين ‹›الواجب ‹›و››الندب›› و››الحرمة ‹› و›الكراهية››و››الامر ‹› والتوصية›› قيميا ...وليس مما يحتاج له التذكير –عند هذا الموضع-بانه ليس للأموات أن يحكموا الإحياء.ولئن كان مما يحسن دائما الاستئناس بمن سبقنا للنظر في الشأن الإنساني والديني ' فليس لنا ولا علينا الالتزام مسبقا بما اجتهدوا فيه أو التقيد به .فنحن من قبيلة من «لايعرفون الحق بالرجال بل الرجال بالحق ‹› والحق دائما أحق ان يتّبع 3/ ذلك عمل جليل طويل النفس من قدر تونس ان تنهض له' ومن مفاخرها انها قطعت منذ مايكاد يقارب مائتي سنة على ذلك الدرب أشواطا رائعة .لذلك كان على الخارجين على مطامح الوطن ومسيرة تاريخه ان يتصالحوا مع مطامح الوطن وتاريخه . فتقرير البشرى واقع في صميم هويتنا الحضارية والدينية والسياسية.ولا ريب انه من باب الوفاء لملحمة تحقق القيم السامية في التاريخ الوطني ' ان تسارع الدولة التونسية بتحويل المقترح إلى قانون' والأمل إلى واقع ' على غرار ما فعل أحمد باي رحمه الله يوم الغى الرق فحول حلم المساواة بين التونسين الى واقع قانوني 'وكما فعل المجاهد الأكبر رحمه الله يوم حول أحلام شهيد الجهالة الطاهر الحداد الى قانون ناجز'هو من خير ما تحقق للتونسيين –نساء ورجالا – في عهد بناء الدولة الوطنية.ويحق للتونسي اليوم أن يمتد طموحه إلى المطالبة بتجاوز نقائص دولة الاستقلال ' بما في ذلك ما تعلق باحترام الحرية الفردية 'فكرا ومعتقدا وسلوكا ' ومطلب المساواة بين المواطنين نساء ورجالا . وليس بخاف ما يطرحه هذا المطلب العزيز من تتمة ثالثة تنضاف الى التتمتين المذكورتين 'المنهجية والابستيمولوجية 'و تتصل بضرورة قيام الذكاء الوطني لواجبه تجاه ما يفرضه وضعنا الراهن من ثورة ثقافية-تربوية معمقة شاملة ' حتى تستقيم في ‹›الآفاق وفي الأفكار ‹› 'في الواقع والضمائر معاني الحرية والمساواة فإذا هي طبيعة ولا تطبع واذا هي من تلقائية السجية ومن حقائق الوعي الثقافي المباشر .وهل خير تهبه تونس للامة خير من الحرية ؟