بورصة تونس تحتل المرتبة الثانية عربيا من حيث الأداء بنسبة 10.25 بالمائة    كأس تونس لكرة اليد : الترجي يُقصي الإفريقي ويتأهل للنهائي    اليوم آخر أجل لخلاص معلوم الجولان    الإسناد اليمني لا يتخلّى عن فلسطين ... صاروخ بالستي يشلّ مطار بن غوريون    مع الشروق : كتبت لهم في المهد شهادة الأبطال !    الأنور المرزوقي ينقل كلمة بودربالة في اجتماع الاتحاد البرلماني العربي .. تنديد بجرائم الاحتلال ودعوة الى تحرّك عربي موحد    الرابطة الثانية (الجولة العاشرة إيابا)    البطولة العربية لألعاب القوى للأكابر والكبريات: 3 ذهبيات جديدة للمشاركة التونسية في اليوم الختامي    رئيس اتحاد الناشرين التونسيين.. إقبال محترم على معرض الكتاب    حجز أجهزة إتصال تستعمل للغش في الإمتحانات بحوزة أجنبي حاول إجتياز الحدود البرية خلسة..    متابعة للوضع الجوي لهذه الليلة: أمطار بهذه المناطق..#خبر_عاجل    قطع زيارته لترامب.. نقل الرئيس الصربي لمستشفى عسكري    عاجل/ بعد تداول صور تعرض سجين الى التعذيب: وزارة العدل تكشف وتوضح..    كأس إفريقيا للأمم تحت 20 سنة: فوز ثمين لنسور قرطاج على كينيا ينعش حظوظ التأهل    معرض تونس الدولي للكتاب يوضّح بخصوص إلزام الناشرين غير التونسيين بإرجاع الكتب عبر المسالك الديوانية    الملاسين وسيدي حسين.. إيقاف 3 مطلوبين في قضايا حق عام    إحباط هجوم بالمتفجرات على حفل ليدي غاغا'المليوني'    نهوض المزونة يضمد الجراح ويبث الفرحة بالصعود الى الرابطة الثالثة    قابس.. حوالي 62 ألف رأس غنم لعيد الأضحى    نقيب الصحفيين : نسعى لوضع آليات جديدة لدعم قطاع الصحافة .. تحدد مشاكل الصحفيين وتقدم الحلول    نهاية عصر البن: قهوة اصطناعية تغزو الأسواق    حجز عملة أجنبية مدلسة بحوزة شخص ببن عروس    أهم الأحداث الوطنية في تونس خلال شهر أفريل 2025    ثنائية مبابي تقود ريال مدريد لمواصلة الضغط على برشلونة المتصدر بالفوز 3-2 على سيلتا فيغو    الكاف: انطلاق موسم حصاد الأعلاف مطلع الأسبوع القادم وسط توقّعات بتحقيق صابة وفيرة وذات جودة    الصالون المتوسطي للبناء "ميديبات 2025": فرصة لدعم الشراكة والانفتاح على التكنولوجيات الحديثة والمستدامة    انتفاخ إصبع القدم الكبير...أسباب عديدة وبعضها خطير    إلى أواخر أفريل 2025: رفع أكثر من 36 ألف مخالفة اقتصادية وحجز 1575 طنا من المواد الغذائية..    هام/ بالأرقام..هذا عدد السيارات التي تم ترويجها في تونس خلال الثلاثي الأول من 2025..    الفول الأخضر: لن تتوقّع فوائده    مبادرة تشريعية تتعلق بإحداث صندوق رعاية كبار السن    تسجيل ثالث حالة وفاة لحادث عقارب    تونس في معرض "سيال" كندا الدولي للإبتكار الغذائي: المنتوجات المحلية تغزو أمريكا الشمالية    إحباط عمليات تهريب بضاعة مجهولة المصدر قيمتها 120 ألف دينار في غار الماء وطبرقة.    إذاعة المنستير تنعى الإذاعي الراحل البُخاري بن صالح    خطير/كانا يعتزمان تهريبها إلى دولة مجاورة: إيقاف امرأة وابنها بحوزتهما أدوية مدعمة..    زلزالان بقوة 5.4 يضربان هذه المنطقة..#خبر_عاجل    النفيضة: حجز كميات من العلف الفاسد وإصدار 9 بطاقات إيداع بالسجن    تنبيه/ انقطاع التيار الكهربائي اليوم بهذه الولايات..#خبر_عاجل    برنامج مباريات اليوم والنقل التلفزي    هام/ توفر أكثر من 90 ألف خروف لعيد الاضحى بهذه الولاية..    الدورة الاولى لصالون المرضى يومي 16 و17 ماي بقصر المؤتمرات بتونس العاصمة    أريانة: القبض على تلميذين يسرقان الأسلاك النحاسية من مؤسسة تربوية    بطولة فرنسا - باريس يخسر من ستراسبورغ مع استمرار احتفالات تتويجه باللقب    سوسة: الإعلامي البخاري بن صالح في ذمة الله    لبلبة تكشف تفاصيل الحالة الصحية للفنان عادل إمام    بعد هجومه العنيف والمفاجئ على حكومتها وكيله لها اتهامات خطيرة.. قطر ترد بقوة على نتنياهو    ترامب ينشر صورة له وهو يرتدي زي البابا ..    كارول سماحة تنعي زوجها بكلمات مؤثرة    هند صبري: ''أخيرا إنتهى شهر أفريل''    وفاة وليد مصطفى زوج كارول سماحة    قبل عيد الأضحى: وزارة الفلاحة تحذّر من أمراض تهدد الأضاحي وتصدر هذه التوصيات    صُدفة.. اكتشاف أثري خلال أشغال بناء مستشفى بهذه الجهة    تونس: مواطنة أوروبية تعلن إسلامها بمكتب سماحة مفتي الجمهورية    الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    أولا وأخيرا: أم القضايا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. حمّادي بن جاء بالله ل«التونسيّة»: مطلوب تأمين الانتقال إلى دولة الثورة
نشر في التونسية يوم 01 - 12 - 2015

إذا كانت ثورتنا من تخطيط الآخر فعلينا أن نكون من «خير الماكرين»
«السبسي» هو بورقيبة الدولة الديمقراطية
على الجامعة مقاومة الفكر الدغمائي والتطرّف وعولمة ذاتها

حاوره : مصطفى الشارني
التونسية (تونس)
حمّادي بن جاء بالله هو أستاذ تعليم عال مختص في تاريخ الفلسفة الحديثة بأطروحة لنيل شهادة التعمّق في البحث عن «كانط» بعنوان «أساس المعرفة في نقد العقل المحض» وشهادة دكتورا دولة في الابستيمولوجيا بأطروحة في جزءين موضوعها : «تكوّن مفهوم القوّة في الفيزياء الحديثة» بكليّة العلوم الإنسانية والاجتماعية بتونس. ومن مؤلفاته :
تحوّلات العلم الفيزيائي ومولد العصر الحديث.
دراسات فلسفية.
العلم في الفلسفة.
المقاربة الإبستيمولوجية التاريخية لفكرة الزمن المطلق في الميكانيكا النيوتونية.
إلى جانب مقالات علمية عديدة، نشرت في تونس وخارجها منها :
الموسوعة الفلسفية العربية.
الموسوعة العالمية للتربية باللغة الإنقليزية ومقالات أخرى تولّت نشرها اليونسكو والألكسو وجامعة لافال.
درّس بجامعة الزيتونة، وحاضر بجامعة الأزهر ويشغل حاليا خطّة خبير إقليمي لليونسكو في المجال التربوي.
«التونسية» التقته فكان معه الحوار التالي :
من منطلق المعيش المهني، كيف ترسمون اليوم ملامح الجامعة التونسية، وهل لكم مقترحات عملية للإرتقاء بأداء دورها علميّا وبيداغوجيّا؟
سوف أتحدّث إليك من منطلق المعيش المهني والمعذرة إن بدا لك وللقارئ الكريم أن الحديث عن الجامعة عامّة مرتبط بتجربتي الشخصية، فلا قيمة عندي للشهادة إلا للمعاينة. ولذلك فشهادتي لا تنطبق على أقسام أخرى بقيت إلى حدّ ما جديّة مثل أقسام التاريخ والجغرافيا والعربية.
قضيت بالجامعة أكثر من ثلثي ما مضى من عمري ولم أرها قطّ في وضع أسوأ ممّا هي عليه اليوم، وضع مؤلم حقّا وأقدّر أن السّكوت عنه يشبه الخيانة فضلا عن الجبن. أترك جانبا مسألة مستوى ضعف الطلبة لأنها مسألة معلومة ولكن إلى حدّ ما مغلوطة أحيانا، فإذا اعتبر بقسم الفلسفة بكليّة العلوم الانسانية والاجتماعية بتونس، فنسبة التأطير هناك من أعلى النسب في العالم من حيث الكمّ (1/8 تقريبا) والكيف، اذ ليس في هذا القسم حتى عهد غير بعيد إلا الأستاذ والأستاذ المحاضر. فالحصول على الأستاذية يستغرق في المتوسّط ستّ سنوات ونيف، بحيث حتى وان لم يدرس الطالب الفلسفة قبل الالتحاق بالجامعة، وحتى اذا كان مستواه ضحلا، فإنه من الممكن بعد ستّ سنوات ونيف أن يتحسّن غاية التحسّن اذا وجد العناية اللازمة والتأطير المطلوب والمنشود، وهو ما لم يجده. فكانت النتيجة ما يشبه انعدام الرّوح الفلسفية في قسم الفلسفة وهو ما يفسّر انتشار الفكر الوثوقي عند الكثير من روّاده.
وممّا زاد الطالب زهدا في التحصيل المعرفي أنّه عاين ما سمي ب«ماجستير الفلسفة المعاصرة» يرتاده الفاشلون من أقسام مختلفة دون أستاذيّة أو إجازة في الفلسفة وينجحون رغم ذلك بنسبة تقارب ٪100 فكان من الطبيعي أن يهجر الكثير من الطلبة ماجستير الاختصاص ويقبلون على «ماجستير بودورو» ما دامت النتيجة واحدة. هذا الماجستير أنشأه وزير التعليم العالي في أول العشرية المنصرمة. وأوكل أمره إلى أحد أبناء بلده بتواطؤ مفضوح من رئيس القسم وعميد الكلية آنذاك ورئيس الجامعة. ولطالما احتجّ الزملاء على هذا العبث وأعوزتني الحيلة شخصيّا فالتجأت إلى أحد وزراء بورقيبة فتدخّل على طريقته وألغى الماجستير المزيّف. ولكن آثاره باقية اذ أنّ من حصل على «ماجستير بودورو» حصل بعد ذلك على دكتورا «بودورو» ومنهم من يطالب اليوم بالإرتقاء إلى الجامعة.
وقلّ ما يشبه ذلك في الاعداد لمناظرة التبريز في الفلسفة، فمنذ سنين طويلة أوكل الاشراف عليها لشخصين فشلا في الفوز فيها فشلا لم تنسهما الأيام حسرته، فجازتهما وزارة التعليم العالي بأن مكّنتهما من التوالي على رئاستها حتى السنة الماضية.
أما لجان الانتداب ففيها من الغرائب ما لا يأتي عليه احصاء من ذلك أنّه منذ سنتين ترأّست لجنة تأهيل زميل بجامعة القيروان وكان تقريرا الزميلين عضوي اللجنة ايجابيين بل فيهما من التقريض ما أسعدني شخصيّا. بعد شهرين يترشّح صاحب التأهيل للارتقاء إلى رتبة أستاذ محاضر وتسند مهمّة اعداد تقرير للجنة الانتداب والترقية إلى «الزميل» الذي سبق له أن قدّم تقريرا غاية في الاطراء للجنة التأهيل. فيقدّم هذه المرة تقريرا سلبيّا ليسقط المترشّح. فهل هذا ممّن يمكن أن يحترم؟ فلماذا لم تفتح الوزارة تحقيقا في الغرض لاسيّما وأن صاحبي التقريرين السلبيين ليسا من أهل الاختصاص، فالأوّل ارتقى إلى رتبة أستاذ محاضر بعمليّة غشّ ووعد كاذب مضمّن في ملفّه، والثاني معه ورقة تفيد أنه حاصل على دكتورا في الحضارة الاسلاميّة بأطروحة لا يعرفها أحد وكانت لجان الانتداب في الإختصاص رفضت ترشّحه وانتدبته لجنة الفقه بجامعة الزيتونة.
وفي دورة 2006/2005 كنت عضوا بلجنة الانتداب والترقية لرتبة أستاذ محاضر تقدّم مترشحان رفض الأوّل بأربعة أصوات مقابل صوت واحد هو صوت رئيس اللجنة الأستاذ المشرف على أطروحته، ورفض الثاني بإجماع أعضاء اللجنة (5/5). اشتكاني شخصيّا الاثنان إلى الوزير وحرّكا ضدي «مكينة التجمع ودواليبه» بتعلّة أنني من جماعة الشرفي المناهضين آنذاك لبن علي. تجتمع اللجنة في دورتها الموالية 2006 أثناء العطلة الصيفيّة قصد تغييبي. والاستدعاء وجّه يوم 29 أوت لاجتماع بتاريخ 7 سبتمبر 2006. وهو مخالف للقانون والأعراف، ويقبل الفاشلان بنفس الملف.. فهل يمكن احترام هؤلاء واعتبارهم «زملاء»؟ وهل يمكن أن يؤتمن أيّ من المعنيين بالأمر على درس جامعي فضلا عن وحدة بحث أو أدنى من ذلك. حيث بلغني أن المرفوض 5/5 أصبح مكلّفا بماجستير فلسفة حديثة بأحد المعاهد العليا بتونس العاصمة والحال أن اختصاصه «الفلسفة الوسطيّة بحكم موضوع أطروحته».
المهازل كثيرة أيضا في الاشراف على مذكرات الماجستير ورسائل الدكتورا هي الفوضى بعينها فيكفي أن تكون أستاذا حتى يكون لك الحقّ في الاشراف على جميع الاختصاصات ولو لم يكن معك - حين يحصحص الحق - إلاّ أستاذية التعليم الثانوي. فهذا معه دكتورا في الفلسفة الوسيطة يشرف على أطروحات في فلسفة القرن العشرين وفي الفيزياء الذريّة وفي البيولوجيا أي الفلسفة من عهد آدم إلى ما بعد الحداثة. وذاك معه دكتورا في فلسفة الاقتصاد يجيز مناقشة دكتورا دولة في نظريّة «الكوانطا» إلخ.. وذاك لا شيء معه غير الاجازة يشرف على أعمال حول ابن الهيثم وابن خلدون وتصوّف كير كيغارد وفلسفة التربية..
لن أتحدّث عن الموازنات الوهمية والغياب عن الدروس على مدار السّنة ولا عن اجراء الامتحانات في مواد لم تدرّس، ولا عن اعادة المداولات وهميّا لاسعاف طالب مزعج يخشى أن يثير بلبلة بالاحتجاج على اختبار في مادّة لم يدرّسها الأستاذ، ولا عمّا يشاع من تمتّع أحدهم بساعات اضافية تكاد تبلغ العشرين، أو تفوقها على ما يقال، دون أن يدرّس ولو يوما واحدا. واعتبر أن الوزارة ان لم تفتح تحقيقا في جميع هذه المسائل حتى تعالج بالحكمة الواجبة، فلن يكون من معنى لحديث عن اصلاح مهما كان متواضعا. وما أخشاه أن يكون ما يقع في قسم الفلسفة بتونس صورة لما يحصل في أقسام و«كليات أخرى - وان بدرجات متفاوتة.. لكلّ ذلك أقترح النقاط التالية مساهمة منّي في انقاذ الجامعة وإخراجها ممّا هي فيه من تردّ وهي كالتالي:
أوّلا: لمغالبة انتشار الفكر الدّغمائي ومقاومة التطرّف أرى ضرورة تعميم تدريس العلوم الانسانيّة في جميع معاهد التعليم العالي وفي كلّ الاختصاصات بدءا بالفلسفة والتاريخ وعلم النفس والأنتروبولوجيا.
ثانيا: تهيئة الجامعة للإرتقاء إلى عولمة ذاتها بدءا بالعمل على ارتقاء مستوى آدائها إلى ما توجبه المعايير الدوليّة في تقييم مردوديتها الداخليّة والخارجية حتى تتهيّأ لاستقبال الطلبة الأجانب وتتحوّل من مورّد إلى مصدّر للمعرفة والمهارة والكفاءة بما في ذلك تقييم علاقات شراكة مع الجامعات الأجنبية المشهود لها بجودة المنتوج في بلدانها وفق مقاييس متّفق عليها.
فالإحصائيّات الدوليّة المعتمدة حاليّا تفيد بأن عدد الطلبة في تزايد مستمرّ حيث يبلغ اليوم حوالي 153000000 أي بزيادة قدرها ٪53 عمّا كان عليه سنة2000، اذ أنه تضاعف خمس مرّات عمّا كان عليه في عقد السبعينات وينتظر أن يبلغ عدد الطلبة في العالم سنة 2025 حوالي 263000000. هذا التّنامي الجملي سيصحبه حتما تنام في عدد الطلبة المهاجرين طلبا للمعرفة. وهذا العدد يقدّم اليوم حوالي مليونين ونصف موزّعين على الجامعات الأجنبية لا تحتضن منهم تونس إلا حوالي 2000، في حين أن المرجو هو اعداد الجامعة التونسية لاستقبال الطلبة المهاجرين لاسيّما أن البلدان الأوروبيّة والأمريكية أصبحت اليوم تتلكّأ كثيرا في استقبالهم وبالتالي يمكن أن تصبح تونس وجهة جديدة لهؤلاء الطلبة العرب والأفارقة والآسياويين، ولا يخفى لما في هذا الاختيار من المنافع المشتركة لعلّ أولها: الاقتصاد في نفقات البعثات الطلابيّة التقليدية. وثانيها: ما تتضمّنه من ربح ومردود ماليّ للوطن.
وينضاف إلى ذلك كلّه تشغيل الطلبة التونسيين الحاصلين على شهادة الدكتورا ويتماشى هذا المقترح مع ما تتطلّبه التنمية الشاملة مستقبلا. فعدد الطلبة اليوم لا يكاد يبلغ 500 ألف والحال أن مقتضى تنمية البلاد يتطلّب أن يتراوح عدد الطلبة بين 700 و800 ألف وفق المعايير الدولية حيث ترتفع نسبة التمدرس الجامعي للشريحة العمريّة إلى ٪71 بأمريكا وأوروبا وإلى ٪62 بأوروبا الشرقية. في حين انها لا تتجاوز ٪26 بشرق آسيا و٪23 في الأقطار العربية.
ويقدّر أهل الذّكر أن التنمية الشاملة تقتضي أن يكون ما بين 40 و ٪50 من الشريحة العمريّة المذكورة آنفا بالجامعة (الأعمار تتراوح بين 19 و26 سنة).
وبالتّالي فإن الجامعة تحتاج إلى تجديد حقيقي وهذا التجديد يهتمّ أيضا بالشّأن الطلابي في كل مجالاته الحيويّة والأساسيّة في حياة الطالب وهي السّكن والأكل والنقل والمنح الجامعيّة خصوصا.
وتسهيلا للتحصيل المعرفي يجب تطوير التعليم عن بعد واستغلال التكنولوجيا الحديثة لجعل الدّرس في متناول الطالب في بيئته.
ثالثا: يتزامن انجاز هذه الاصلاحات بإجراء اصلاح إداري شامل سواء كان ذلك على صعيد الكفاءة العلمية أو التقنيّة أو الإدارية اذ لا يمكن أن نرتقي بأداء الجامعة بأداء ادارة جامعية متخلّفة.
يستخلص أنه اذا لم تكن لنا ارادة تغيير حقيقية لتنوير دور الجامعة والانقلاب على الرواسب وتقويم الإعوجاج القائم فينا، فستظلّ جامعتنا التونسية لا ذكر لها بين جامعات الدنيا ولن ينفع أيّ اصلاح ما لم تسر الأمور الأكاديمية إلى حقائقها وأولها أن يحترم العلم وشروط اكتسابه ونشره وتطبيقه. اذ لا معنى للديمقراطية في الجامعة ولا للمطالبة باستقلالها ان لم تكن المعايير العلمية هي الأصل في الأشياء سواء في مستوى الاختصاص أو في مستوى التكوين والتقييم أوفي مستوى الإشراف على الأطروحات ومناقشتها. وكما ذكرنا فإنه من باب العبث أن يشرف على الدكتورا من لم يحصل عليها ومن باب العبث أيضا أن يشرف على مناظرة التبريز من فشل فيها. والمعايير نفسها تنطبق وجوبا على وحدات البحث والمخابر. لقد تسرّب فساد العهد البائد بطرق شتّى إلى الجامعة ولابدّ من تخليصها من براثينه وبقاياه. ان الجامعة تعيش فوضى لا تضبط، ازدادت حدّة مع فتح بوّابة التأهيل الجامعي لكلّ من هبّ ودبّ ولابدّ من مغالبة أسباب تلك الفوضى قبل الشروع في الاصلاح والتجديد. ولا يقتضي ذلك البتّة ميزانيات اضافيّة، ولا قوانين جديدة، وانّما يقتضي أخلاقيّات عمل لا تنفصل فيها المطالبة بالحريّة والتسيير الديمقراطي عن احترام العلم والشهائد الجامعيّة.
لماذا تزامن تراجع دور الجامعة وتردّي مستوى أدائها التعليمي، مع تنامي التأزّم والاحتقان للوضع العام في البلاد؟ وهل تعتقدون أن للمثقّف أو الجامعي دورا في خضمّ المخاطر المهدّدة فعليّا للوجود الوطني اليوم؟
كيفما تكون المدرسة يكن الوطن. وأزمة الجامعة يعزى البعض منها إلى الأزمة الجارية في الوطن. وما كان للبعض أن يفسدوا في الجامعة. إنّ لم يستندوا على حصانة يستمدونها ممّن يفسد في الدولة. نحن حقيقة في وضع صعب، وصعوبته مترتّبة عن طموحاتنا رغم قلّة امكانياتنا. فنحن أردنا الشغل والحريّة والكرامة الوطنية. فالمطلب الأوّل يوجب اعادة صياغة العلاقات الاقتصاديّة في دورة الانتاج ودورة التوزيع ودورة الاستهلاك. والهدف منها هو أن نأكل ممّا نزرع ونلبس ممّا نصنع. والثاني يوجب اعادة صياغة العلاقات البشريّة وفق ما يقتضيه قانون الحريّة في الحياة الفرديّة والاجتماعية والسياسيّة. ففي الحالة الأولى نتجاوز التبعيّة. فلا يكون أحد مدينا بأسباب حياته لغيره. وفي الحالة الثانية نتجاوز منطق الوصاية باعتبار أنّ جميع المواطنين رشدا. والنتيجة هي مناعة الوطن. فعزّ الأوطان بعزّ أبنائها وعزّ المواطن من عزّة الوطن.
وبالتالي فنحن قمنا بثورة حقيقيّة لا سابقة لها في تاريخنا ولا بدّ لها أن تنجح وإلا الخروج من التاريخ. وان كان ذلك حقيقة ملموسة اذا قارنّا أنفسنا بالدول المتقدّمة.
أمّا عن دور المثقّف في أيّامنا هذه، فيصعب أن يكون له الدور الذي لعبه طه حسين أو جون بول سارتر أو أوغست كونت. وذلك لأسباب كثيرة منها انتشار التعليم وتكاثر وسائل الاعلام.
غير أن ما يستحقّ الانتباه إليه والإتفاق عليه هو أن كل دفاع عن دور العقلانيّة في فهم الوجود الطبيعي والوجود الانساني الفردي منه والجمعي من ناحية، وكل انتصار للحريّة في جميع أبعادها من ناحية أخرى يمكن أن نصطلح عليه بالمثقّف. وهنا لا أكاد أميّز بين «المثقف» و«الجامعي» و«المواطن». والرّأي عندي أن تونس تزخر بهذه الكفاءات وليس أدلّ على ما أذهب إليه من «اعتصام الرّحيل» ووقوف الآلاف من التونسيين نساء ورجالا ضدّ كل المشاريع الظلاميّة وأنت ترى انفجار القدرات والمؤهّلات الاعلامية والفنية التي تلت الثورة. كل ذلك هو ثقافة التونسي التي خلقتها مدرسة الجمهورية بالخصوص. الفكر التونسي مع صنع المعلّم التونسي وهو ما يفسّر التكالب المستمرّ على افساد النظام التّربوي التونسي وتهميش دور المعلّم في رياض الأطفال والإبتدائي والثانوي والعالي.
يرى البعض أنّ أحداث 14 جانفي وما بعدها تُعدّ ثورة شعبية بامتياز، في حين ينفي عنها البعض الآخر صفة «الثّورة» وينسبها إلى تدبير خارجي، فما رأيكم؟
لنتّفق على أمر بسيط ولنُسمّ مصطلح «ثورة» كلّ فعل جمعيّ غايته الحريّة في كلّ أبعادها ومغازيها بما تفترضه من عدالة ومساواة، وإذا كان ذلك كذلك، انتهى بنا القول إلى ما قمنا به يعدّ ثورة حقيقية لم تزل في عنفوانها ولم تتشكّل ملامحها النهائية بعد. صحيح أنّه وقعت محاولات للسّطو عليها بمحاولة تغيير وجهتها من ثورة الحرية إلى شغب الهوية (المناداة بالخلافة وبتطبيق الشريعة محاولة تقسيم التونسيين إلى «إسلامي» و«علماني».. إلخ) إلاّ أنها باءت بالفشل ولن يفلح أهلها.
في هذا السياق يأتي التشكيك في الثورة، فلنعتبر فرضا أنها نتيجة مؤامرة خارجية، فإنّها هي الأخرى آيلة إلى الزوال مادمنا متمسّكين بالغاية العليا المتمثّلة في الحرية. إن وجدت مؤامرة ففي سياق مسعى استبدال الحرية بالهوية، والحق أن الحرية عند الإنسان هي حريته عينها أو أن هويته حريّته، ثم إنّ لا مصلحة لأحد أن يتآمر علينا لنصبح أحرارا. هذا لا يستقيم. ما يقوم به الآخر الأوروبي أو الأمريكي كما يُشاع هو تخطيط وليس تآمرا. وهو تخطيط مكشوف ومعروف وله مختصّوه وعلماؤه وميزانياته، ونحن مثل غيرنا جزء من تخطيط الآخر بحسب ما تقتضيه مصالحه. وليس لنا ولا علينا أن نلومه على ذلك. فالسياسي الذي لا يخطّط ولا يفكّر في مصالح شعبه على المدى القريب والمتوسّط والبعيد سياسي خائن. مأساة فلسطين مثلا مدرجة في إطار تخطيط «الآخر» وغياب «النحن»، فالعيب فينا أننا لا نخطّط، ولا نعدّ للمستقبل القريب منه والبعيد.
«الآخر» يمكرُ؟ فليكن.. ولنكن من «خير الماكرين». ومن المهمّ أن نعرف ما يدبّر لنا في السرّ أو العلن..
ولكن الأهم هو ما علينا فعله بما يدبّر لنا. فنقلب السّحر على السّاحر حتى وإن كانت هذه الثورة تدبيرا ماكرا. فعلنيا أن نجعلها ثورة وطنية بحق نحقّق من خلالها غاياتنا في «الشغل والحرية والكرامة الوطنية». ويبقى للآخر تدبيره الشيطاني، نظريات التآمر هي نظريات تبرير الهزيمة دون معارك.
هذا يفترض هبّة جماعيّة فكيف يمكن راهنا تصور العلاقة بين الدولة والمجتمع المدني؟
يبدو أنّ العالم يتجه إلى تغيير أساسي في فكرة الدولة الوطنية ووظائفها، في تونس دولة الاستقلال حقّقت الكثير، ولكن ما بقي أكثر وأخطر، الانحياز الإيديولوجي السّخيف وحده يمكن أن يدعي أن تونس «خراب» منذ الاستقلال، إن الثورة التي ارتقت بتونس إلى مصاف العالمية أنجزها شباب مدرسة الجمهورية. وبالتالي فهي موضوعيا من إنجازات الدولة الوطنية لتتجاوز (لام العاقبة فاعلمها) بها ذاتها جُوانيا.
وفي الأعماق من حيث لا نحتسب، صحيح أنّ الشعوب تعي أنها تصنع التاريخ ولكنها لا تعلم دائما إلى أين يسير بها التاريخ. فكلّ ما صنعه بن علي لتأييد حكمه، أفضى في غير وعي منه إلى تقويض حكمه بما في ذلك تطوير وسائل الاتصال التي لعبت دورا خطيرا في تسهيل قيام الثّورة. ولا شكّ أنّ دولة الاستقلال سعت مثل جميع الدول وجميع الكيانات إلى توطيد أركان بقائها على ما يقتضيه البقاء ولكن التاريخ قضى بأن تعلو على ذاتها لتمرّ إلى مرتبة أبقى من وجودها تتحقّق فيها مشاريعها الأولوية وطموحاته الابتدائية وأعني بذلك أن دولة الاستقلال الوطنية لحقها الإرهاق بسبب ما سُطّرت لنفسها من المشاريع كان بورقيبة رحمه الله عبّر عنها خير تعبير فسمّاها مشاريع تحقيق «فرحة الحياة» لذلك كان من الضروري أن تتجدّد الدولة الوطنية لتمرّ إلى مرحلة أرقى هي مرحلة «الدّولة الوطنية الديمقراطية التي عبّرت عن ماهيتها ثورة شباب مدرسة الجمهورية حين صاغت مشروعها المستقبلي وهو «شغل حريّة كرامة وطنية».
وليس خاف على أحد أن هذا «الشعار» «البرنامج» لم يضعه زعيم «ولا بطل» بل أفرزته عبقرية شباب مدرسة الجمهورية، فهو نتاج التراكم المعرفي الذي أتاحت دولة الاستقلال شروط إمكانه، ولعل ذلك يفسّر عودة بورقيبة قائدا في شخص الباجي قائد السبسي وهو ما يدركه الأخوة «الدّساترة» في الإبّان.
وارتقاء الدولة الوطنية إلى مصاف الدول الوطنية الديمقراطية لن يكون مستقبلا شأن الدّولة وحدها بحكم ما سبق أن أشرنا إليه في اختزال شديد سمّيناه ظاهرة «إرهاق الدولة الوطنية الذي حوّله القصور الفكري عند البعض إلى «فشل الدولة الوطنية» ومن عماء البصيرة ألاّ يرى بعضهم أنّ الدولة الوطنية ذاتها هي التي حفظت الثورة ووفّرت للانتقال الديمقراطي أسباب تحقّقه الموضوعيّة، وبقيت واقفة رغم ما نالها من بعض أبنائها من الأذى.
الجديد اليوم أنه لابدّ للدولة الوطنية من عون قوي لتحقّق الارتقاء من الطور الوطني إلى الطّور الوطني الديمقراطي، هذا الفاعل الجديد قد فرض نفسه فغيّر المجتمع دون أن يستولى على السلطة، وقاد الشعب دون أن يكون له نفوذ عليه، وهو ما سمّاه هيغل «المجتمع المدني». وفي مقدّمته عندنا الرباعي الرّاعي للحوار الوطني. وثمّة اليوم بون متراوح الأبعاد بين «السياسي والمدني». الأول له خبرة السّنين وحكمة القرون. ولكن مع تبعات إرهاق النضالات وثقل المسؤوليات. فهو بالتالي منهك القوى ولكنه قوي الإرادة. فهو أشبه ما يكون بشخصية بوز النّائم لفكتور هيغو Booz endormi.
والثاني من النّوابت الطّافحة حيوية ولكن دون تمرّس فعليّ بالشأن العام دون شمولية النظر معمّقة ولعل هذا البَوْن القائم بين السياسي والمدني هو ما يفسّر تعثّر العمل الحزبي عندنا وفوز المجتمع المدني بجائزة نوبل، ومع ذلك فليس للمدنيّ أن يعوّض السياسي ولا للسياسي أن يلغي المدني. ذلك هو مستقبل الوطن وذلك ما يمكن أن يكون المضمون الحقيقي لما يمكن أن يسمّى «البورقيبية الجديدة».
وهنا لابدّ أن أشير إلى الدّور الطلائعي الذي على الاتحاد العام التونسي للشغل باعتباره طليعة القوى الحيّة أن يواصل الاضطلاع به رفقة اتحاد الصناعة والتجارة واتحاد الفلاحة والصّيد البحري.
كيف تقيمون أداء أحزابنا الوطنيّة راهنا، فهل هي متفاعلة مع انتظارات شعبنا في الشغل والحرية والكرامة الوطنية أم تغرّد خارج السّرب؟
سكت عنها، لأن وضعها مؤسف حقا على أساس أنّني أميّز بين الحزب وبين «الزّاوية» وإن كثر زوّارها وتنادى مؤيدوها في الدّاخل والخارج.
وفي تقديري أن رئيس الجمهورية قادر اليوم على درء المخاطر عن «نداء تونس»، الحزب الذي علّق عليه النّدائيون أملهم في النجاة، ممّا يهدّد اليوم وجودهم. وهو يعلم حقّ العلم أنّي أحترمه لذاته قبل أن أحترمه لوظيفته.
فتونس في حاجة ماسّة إلى مساهمة كلّ الأحزاب لتأمين الانتقال من الدولة الوطنية، دولة الاستقلال إلى الدولة الوطنية الديمقراطية، دولة الثورة إلاّ أنّني كنت أرجو ألاّ أرى التناقض القائم اليوم بين البرامج التي على أساسها انتخب التونسيون الباجي قائد السبسي رئيسا للجمهورية، ولحزبه ليصبح حزب الأغلبية تلك هي أمانة لابدّ من الحفاظ عليها.
وهي من شروط بقاء حكم تونس في أيدي أبنائها غدا، ولئن كنت أعترف بأن حساب الأصوات في البرلمان يستدعي تحالفات مع الخصم السياسي، فإنّه لابدّ من التمييز بين التحالف مع الخصم السياسي والتسليم له.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.