تم منذ ايام المجلس الوطني التأسيسي الامضاء على العقد الاجتماعي الجديد لتونس من قبل الحكومة واتحاد الشغل ومنظمة الاعراف. وتضمن ذاك العقد الاجتماعي الذي كان من المفروض ان يدخل حيز التنفيذ بداية من تاريخ توقيعه في جانفي 2013 خمسة محاور أساسية وهي النمو الاقتصادي والتنمية الجهوية، سياسات التشغيل والتكوين المهني، العلاقات المهنية والعمل اللائق، الحماية الاجتماعية، فضلا عن محور يتعلق بمأسسة الحوار الاجتماعي الثلاثي. الا انه ومنذ ذلك التاريخ ورغم تعاقب اربع حكومات وتغير رؤساء المنظمتين النقابيتين للعمال والاعراف فان الاصرار متواصل حول اعتماد نفس ذلك العقد الذي لم يتم تفعيله وهرفت البلاد مشاكل عديدة ووصل الحوار فيها بين الحكومة واتحاد الشغل او بين هذا الاخير ومنظمة الاعراف او ايضا بين هذه الاخيرة والحكومة الى طريق مسدود وهو ما عاد بالسلب على الاقتصاد الذي تاثر بتازم الاوضاع الاجتماعية فتراجع الاستثمار سواء كان محليا او داخليا وتجمد النمو عند ادنى النسب ورغم «حوار الصم» بين كل الاطراف فان الجميع مصرون على البناء على ما تم الاتفاق عليه في سنة 2013 لمأسسة الحوار الاجتماعي دون مراعاة لمختلف التغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي عرفتها تونس خلال خمس سنوات. اصرار على الخطإ اعلن قبل ايام قليلة وزير الشؤون الاجتماعية لنه سيتم في بداية شهر أكتوبر المقبل تركيز المجلس الوطني للحوار الاجتماعي وانه تم قبل اسبوع امضاء الأوامر الترتيبية المتعلقة بهذا المجلس وسيتم خلال الأيام القليلة القادمة نشر هذه الأوامر في الرائد الرسمي للجمهورية التونسية واعتبر السيد الوزير ان هذا المجلس سيعزز مؤسسات الحوار والتشاور في تونس بما يساهم في تحقيق التوازن والسلم الاجتماعية ويمكن من ترسيخ الديمقراطية في تونس. ونسي الوزير ومن ورائه الحكومة ان انشاء مجلس بتلك الاهمية محمول عليه ارساء السلم الاجتماعي وتوفير الظروف المناسبة يحتاج الى حوار رصين خاصة حول تحديد اهم معايير الانضمام اليه وهي التمثيلية التي قال حولها الوزير ان وزارته عرضت على كافة الاطراف النقابية جملة من المقترحات حول مقاييس تحديد النسبة الدنيا من التمثيلية، اضافة الى مقاييس التمثيلية على المستوى الوطني والتمثيلية على مستوى القطاع والتمثيلية على مستوى المؤسسات يتواصل النظر بشانها .. وهنا مربط الفرس. كذبة الشرعية التاريخية تستند المنظمتان النقابيتان الاقدم سواء للعمال او للاعراف على ضرورة الاعتماد على عامل التاريخ في تحديد حجم تمثيلية كل طرف بل انهما ينكران على باقي المنظمات حق التواجد في هذا المجلس بدعوى انهما الاقدم وهي حجة مردودة على اصحابها لان الارتكاز على عامل التاريخ لا منطق فيه لانه يهمل الحاضر والاهم انه يهمل المستقبل الذي يسعى كل التونسيين الى التخطيط لان يكون في مستوى تطلعاتهم فان كان تاسيس اتحاد الشغل او اتحاد الاعراف يعود الى اربعينات القرن الماضي فانه لا يعطيهما حق الاتفراد بالتحدث باسم كل العمال او كل الاعراف بعد سبعين سنة او اكثر من تاسيسهما وبعد 62 سنة عن الاستقلال وبناء الدولة العصرية وبعد سبع سنوات عن ثورة رفض فيها الشعب الصوت الواحد والحزب الواحد وتعددت فيها الاراء وامتد فيها النقاش حتى حول الثوابت وما كان سابقا يعد من «التابوهات» الممنوع الاقتراب منها وليس الحديث حولها خاصة ان دستور سنة 2014 كفل التعددية وحق الجميع في التنظم في اي اطار يحترم القانون ولا يخل بالنظام العام .. هذا اولا اما ثانيا فانه في اربعينات القرن الماضي لم يكن عدد العمال يسمح بانشاء اكثر من منظمة نقابية ولا ايضا عدد الاعراف كما كان عامل مقاومة الاستعمار مهم في توحيد جهود التونسيين لان معركتهم انذاك واحدة اما بعد الاستقلال والى ما قبل الثورة فان الجميع يعلم انه كان من الصعوبة بمكان تشكيل جمعية ثقافية فما بالنا بمنظمة نقابية يطرح حولها الف سؤال وسؤال لان الجميع كان يجب ان يدور في فلك السلطة وان لا يخرج عن المسار المحدد له سلفا. معركة انعاش الاقتصاد تحتاج الى توحيد الجهود اذا كانت معركة الاستقلال احتاجت الى توحيد الجهود فان معركة انعاش الاقتصاد الذي تردى منذ سبع سنوات في هوة لا قرار لها تحتاج هي ايضا الى توحيد الجهود والاعتماد الى اراء كل المعنيين بهذا الشان خاصة ان مشاكل اقتصادنا تعود في جزء معتبر منها الى ما قبل الثورة بعشرات السنين بسبب غياب منوال تنموي حقيقي يحتاج تكريسه الى اعتماد كل الافكار مهما كانت مرجعياتها لانه بذلك مضمن عنصر الاثراء وبالنقاش الهادئ البناء البعيد على الحسابات «السياسوية» سنستخلص الافضل فكما لاتحاد الصناعة والتجارة افكاره فلكنفدرالية مؤسسات المواطنة افكارها ولا مانع من مزج الممتاز من الافكار من هنا وهناك لتكوين عصارتها مشروع خارطة طريق ناجعة لتحقيق النمو المرجو والامر ينسحب على منظمات الاعمال التي بلغ عددها ثلاثة وليكون صوت الجميع مؤثرا فلا يجب تغليب طرف عن طرف بل تحديد التمثيلية بطريقة تعتمد على من له افضل التصورات وليس الاقدم تاريخيا لانه بذلك فقط تضمن ان يكون لهذا المجلس دورا مهما في تحقيق الإستقرار الاجتماعي وتنمية تنافسيّة الإقتصاد وإرساء مُقوّمات الحوار واقرار التشاركيّة الفعليّة بين كل الأطراف الإجتماعية في التّعاطي مع مختلف الملفات والتحديات. التوافق... قبل الحوار يمثل الحوار الاجتماعي احد مقومات الاستقرار السياسي والوئام الاجتماعي والنمو الاقتصادي والطريق الأمثل لتجاوزالتوترات الاجتماعية والارتقاء بالشأن الوطني إلى مستويات أفضل وتحقيق تلك الاهداف النبيلة يحتاج الى توافق حول كيفية إبرام عقد اجتماعي مشترك بين الحكومة وشركائها الاجتماعيين واساسا حول تحديد الشركاء وعدم اغفال مبدا دستوري هام اباح التعددية التي وان تجلت سياسيا في وجود ما يزيد عن مائتي حزب فانها على المستوى النقابي بقيت واقعيا وليس قانونيا حبيسة طرفين لا غير هما الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية وتم تجاهل بقية الاطراف الاجتماعية على كثرتها رغم انها موجودة قانونا وواقعا من خلال مبادراتها وانشطتها.