نظّم قسم القطاع الخاص بالاتحاد العام التونسي للشغل الندوة الإقليميّة الأولى تحت عنوان: «: من أجل إرساء العمل اللائق في تونس» أيام 11، 12 و13 مارس 2013 بمدينة الحمامات. افتتح الندوة الأخ الأمين العام المساعد المكلّف بالقطاع الخاص بلقاسم العيّاري نيابة عن الأخ الأمين العام الذي حضر أشغال اليوم الثاني كما حضرها السادة الضيوف كمال عمران ممثلا عن وزارة الشؤون الاجتماعية والسيّد خليل الغرياني ممثلا عن الإتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليديّة والسيدة سامية شوبا منسقة برنامج الحوار الاجتماعي بتونس والسيدة نوال بلحاج التونسي منسقة برنامج العمل اللائق بتونس. وقدّم الضيوف مجموعة مداخلات تأطيريّة أبرزوا من خلالها أهمية الإمضاء على وثيقة العقد الاجتماعي وثمّنوا أهميّة البنود التي تضمّنها والتي من شأنها أن تدفع بالعلاقة بين الشركاء الاجتماعيين إلى مزيد التوافق حول القضايا الاقتصاديّة والاجتماعية. لتنطلق على إثرها أشغال الندوة من خلال التطرّق إلى المحاور الخمسة الأساسيّة التي تضمنها العقد الاجتماعي وهي على التوالي محور «العقد الاجتماعي: أهميّته وانعكاساته على السياسات الاجتماعية»، «مأسسة الحوار الاجتماعي الثلاثي»، الحماية الاجتماعية»، سياسات التشغيل والتكوين المهني» و» العمل اللائق»، ترأسها على التوالي كل من الإخوة الأمناء العامين المساعدين المولدي الجندوبي، سمير الشفّي، عبد الكريم جراد، حفيّظ حفيّظ، بوعلي المباركي والأخ أنور بن قدور. وقد تضمنت هذه المحاور خمسة مداخلات بحسب المحاور قدّمها كلّ من الأساتذة النوري مزيد، خالد الزديري، سامي العوّادي، وقدّم السيّد «لوكا فادي» ممثل منظمة العمل الدوليّة مداخلة أخيرة تحت عنوان «برنامج العمل اللائق للشباب والمرأة وسياسات سوق العمل النشيطة للشباب والمرأة». مأسسة الحوار الاجتماعي الثلاثي أكد الأستاذ النوري مزيد أن الحوار الاجتماعي يمكن أن يتمّ في غياب إطار ينظمه فيكتسي صبغة ظرفيّة طارئة مثلما يمكنه أن يكون حوارا منظما في إطار هيكل محدد وطبق إجراءات مضبوطة وهو ما يضمن استمرار الحوار ويعطيه أكثر فاعليّة وجدوى، بما من شانه إخضاعه إلى قواعد موضوعيّة وإجرائيّة محددة مسبقا بصفة تجعل منه بمثابة مؤسسة قائمة الذات. وهو ما يتطلب برأيه عدة ضمانات عامة توفر المناخ السليم والمقومات الأساسية لإقامة حوار فعال ودائم. وهي الضمانات المتعلقة بطبيعة السلطة وعلاقتها بأطراف الإنتاج معتبرا انّه لا يمكن أن نتحدث عن حوار اجتماعي بناء ومثمر في غياب مناخ سياسي ملائم يكرس مبادئ الديمقراطية في مختلف أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية وهو ما يعني برأيه أن النظام التسلطي لا يمكن أن يوفر أرضيّة ملائمة لمأسسة الحوار الاجتماعي، وقدم السيّد مزيد لمثال على الحوار في ظل نظام تسلطي فترة حكم بن علي نموذجا واعتماده الحوار والتشاور كأداة للتزويق وتغطية الأزمات الحقيقيّة التي يعيشها المجتمع مثل تنظيم ما يسمى بالاستشارات الوطنيّة حول التشغيل أو حول مشاغل الشباب إلخ وسعيه إلى إفقاد أطراف الإنتاج وكافة أطراف المجتمع روح المبادرة مما يجعلها خاضعة لعلاقة زبائنيّة مع الدولة ضمن منطق توزيعي غالبا ما يؤدي إلى انتشار ثقافة التواكل واستجداء المساعدة من الدولة وبث روح اللامسؤولية وفقدان الثقة في المؤسسات وهو المناخ الذي لا يضمن إرساء حوار اجتماعي حقيقي ودائم. من ناحية أخرى اعتبر أنه ومن الضمانات الأخرى التي تقتضيها مأسسة الحوار الاجتماعي توفير جملة من المقومات الأساسية التي تتعلق باستقلاليّة الأطراف المؤهلة لممارسة هذا الحوار وقدرتها على النشاط بكل حرية وبصفة جديّة وهو ما يتطلب برأيه وبصفة خاصة ضمان الحريات النقابيّة في مختلف أبعادها بما في ذلك آليات المجابهة والضغط الجماعي لتحقيق مطالب مهنيّة مشروعة معتبرا أن التشريع التونسي يضمن بصفة عامة مبدأ الحرية النقابيّة في بعدها الفردي والجماعي في حين أن الإطار التشريعي ما زال يشكو في هذا المجال من عدّة نقائص وثغرات من شأنها أن تكون مصدرا للحد من مبدأ الحرية النقابيّة وعرقلته أحيانا ولخص أهم النقائص والثغرات القانونيّة، في غياب إطار تشريعي يكرس بصفة واضحة ممارسة الحق النقابي داخل أماكن العمل ويوفر للهيكل النقابي التسهيلات والصلاحيات الضروريّة لتمثيل العمال في مواجهة نفوذ المؤجر، وغياب حماية قانونية رادعة ومجدية ضد كل الممارسات التي من شانها أن تخل بمبدأ الحريّة النقابية سواء من جانب أصحاب العمل أو من جانب السلطة أو كذلك من جانب أشخاص أو هيئات ذات انتماءات عقائديّة معادية للنشاط النقابي، ووجود عراقيل كثيرة تحد من ممارسة حق الإضراب الذي يعتبر امتدادا طبيعيا وضروريا للحق النقابي ومن ذلك خاصة تجريم الإضراب أو الأفعال المرتبطة به. مؤكدا أن فكرة السلم الاجتماعية لا تنفي تضارب المصالح وإمكانيّة المجابهة بين العمال والطرف المقابل. واعتبر السيد مزيد أنه في هذا السياق تتنزل اتجاهات المنظمة الدوليّة للعمل لتشجيع عقد العديد من الاتفاقيات والتوصيات والقرارات التي اصدرتها في هذا المجال ومن ضمنها الاتفاقيّة رقم 144 بشان المشاورات الثلاثيّة التي لن تصادق عليها تونس إلى اليوم إلى جانب الاتفاقيّة رقم 154 المتعلقة بتشجيع المفاوضات الجماعيّة رغم أن مشروع قانون المصادقة على هذه الاتفاقيات الذي أحيل على اللجان المختصة داخل المجلس الوطني التأسيسي منذ شهر جوان 2012. أما المستوى الثاني للضمانات فأكد الأستاذ مزيد على كونه يتمثل في الإطار التنظيمي لمأسسة الحوار الاجتماعي الثلاثي الذي يقتضي وضع إطار تنظيمي له يكفل استمراريته وممارسته بصفة فاعلة ومجدية وهو ما ذهب في اتجاهه العقد الاجتماعي من خلال الاتفاق على أحداث مجلس وطني للحوار الاجتماعي على أن يتمّ إرساؤه في أجل لا يتجاوز السنة من تاريخ إمضائه. وخلص الأستاذ مزيد إلى إبراز الصلاحيات التي تدخل ضمن مهامه خاصة على المستوى الهيكلي ومن ناحية التمثيليّة التي تبرز فيها سيطرة ممثلي الإدارة ب 18 عضوا مقابل 3 ممثلين عن الاتحاد العام التونسي للشغل وممثلين اثنين عن الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية مضيفا أنه على النص القانوني الذي سيتم بموجبه إرساء وتنظيم المجلس إيجاد تنصيصات صريحة تضمن أن يكون تمثيل العمّال وأصحاب العمل قائما على مبدأ الاختيار الحرّ من طرف المنظمات المعنيّة طبقا لما تنصص عليه المعايير الدوليّة للعمل وهو ما يدعم استقلاليّة هذا المجلس ويضمن ممارسة مهامه بكل مصداقيّة. كما ابرز إغفال العقد الاجتماعي التعرض إلى الشروط المتعلقة بسير عمل المجلس وخاصة فيما يتعلّق بتنظيم اجتماعاته ودوريتها وكيفية اتخاذ المواقف، ودعا إلى ضرورة التنصيص على هذه المسائل بدقة صلب الإطار القانوني الخاص بهذا المجلس. أما على مستوى الصلاحيات التي أقرتها الاتفاقية رقم 144 والتوصية رقم 152 الصادرتين عن المنظمة الدولية للعمل بشأن المشاورات الثلاثيّة فأبرزها الأستاذ مزيد في: - إبداء الرأي في مشاريع الاتفاقيات والتوصيات التي يمكن أن تعرض على مؤتمر العمل الدولي لمناقشتها الاتفاقيات، حول عرض الاتفاقيات والتوصيات على السلطة المختصّة في الدولة، حول إمكانية مراجعة الاتفاقيات والتوصيات الدولية للعمل، حول التقارير التي تقدمها الدول لمكتب العمل الدولي بشأن التدابير التي اتخذتها من أجل تفعيل المعايير التي صادقت عليها، في المقترحات المتعلقة بنقض الاتفاقات التي تمت المصادقة عليها. كما تعرّض الأستاذ النوري مزيد في مداخلته إلى توسيع مجالات تدخل المجلس الوطني للحوار الاجتماعي إلى مسائل أخرى مثل المتعلقة بالبطالة وآليات الحد منها والمتعلقة بالنزاعات الجماعيّة والتفاوض الجماعي وتلك المتعلقة بالتنمية وبمشاريع القوانين التي تهم المجال الاجتماعي، كما خوّل العقد المجلس صلاحيات التعهد التلقائي بكل المسائل الاقتصادية والاجتماعية ذات العلاقة بالشغل والعلاقات المهنيّة. وختم الأستاذ مزيد مداخلته بالتساؤل عن مدى إلزامية ما يصدر عن المجلس من مواقف أو آراء وتحديدا مدى الزاميتها بالنسبة للسلطة العموميّة، واستنتج كون المجلس الوطني للحوار الاجتماعي يبقى هيئة استشاريّة تتدخل لإبداء الرأي دون أن تكون السلطة العموميّة ملزمة قانونيا بالامتثال للآراء أو المقترحات الصادرة عنه، واعتبر أنّ مأسسة الحوار الاجتماعي قد بدأت لكنّها لم تنتهي بعد. تطوير ومأسسة الحوار الاجتماعي أكد الأستاذ عبد السلام نصيري في مداخلته على أنّ مأسسة الحوار الاجتماعي تقتضي وجود هياكل ووظائف ومناخ ملائم للحوار وهيكلة للحوار الاجتماعي. تقتضي على المستوى الوطني إنشاء هيكل قار على المستوى الوطني ثلاثي التركيبة ممثل ومستقل ومتكون من أعضاء معينين لمدة محددة من قبل الأطراف الاجتماعية وبالتشاور( عمال/ أعراف / حكومة. وحدد مهام الهيكل الوطني للحوار في: - التوقي من النزاعات الجماعية عن طريق الية التفاوض الوقائي - البحث عن الحلول الملائمة لخلق مناخ ملائم للمؤسسة والعمال فيما يتعلق بكلفة عناصر الإنتاج/ الجباية/ التمويل/ ألتشريعات - مساعدة السلطات العامة فيما يتعلق بعلاقتها بالمؤسسات والهياكل الإنتاجية والهيئات المالية الدولية عن طريق التقارير والدراسات في المسائل الاقتصادية والاجتماعية ذات التأثير على العمال والأعراف - دراسة وتطوير الشروط العامة للشغل والأجور والإنتاجية والتغطية الاجتماعية - السهر على حسن تطبيق الاتفاقيات الموقعة بين العمال والأعراف والنظر في النزاعات القطاعية الناشئة بينهم أمّا على المستوى القطاعي إنشاء هيكل ثنائي متناصف التركيب على مستوى كل قطاع يتولى هذا الهيكل دراسة كل الملفات التي يحيلها عليه الهيكل الوطني وكذلك الملفات التي يطرحها الأعراف أو العمال من القطاع ولا تكون من مشمولات الهيكل الوطني وكذلك دعم وإنشاء والإشراف على هياكل الحوار على مستوى المؤسسات التابعة للقطاع. أمّا علي مستوى المؤسسة فيتطلب إنشاء هيكل مكلف بالحوار الاجتماعي على مستوى المؤسسة يتولى دراسة مقترحات مقدمة من الإدارة أو من الهياكل الممثلة للعمال فيما يتعلق بظروف العمل، الأجور، مدة العمل، تنظيم العمل، الإنتاجية دون أن يحل محل الهياكل الأخرى الممثلة للعمال في المؤسسة وحدد الأستاذ النصيري وظائف هياكل الحوار الاجتماعي في إيجاد تنسيق حقيقي بين المشرع الاجتماعي والأطراف الاجتماعية و ايجاد تواصل بين البرلمان والأطراف الاجتماعية و ضمان الوسائل الضرورية للمتفاوضين وتوفير دعم قانوني للمفاوضين