جعل الله من الماء كل شيء حي لهذا وجب علينا بكل تأكيد المحافظة عليه وحسن التصرف فيه لأنه معرض للنضوب كبقية المستخرجات الطبيعية زيادة على أن بلادنا معروفة جغرافيا بنظام مناخي دوري مما جعلها تعرف سنوات ممطرة وأخرى جافة أو شبه جافة. لكن مع ذلك لم نعش ندرة حادة في المياه سواء منها الصالحة للشرب أو الري مثلما عرفناها بعد الثورة. وذلك بفضل ما قامت به دولة الاستقلال من إنجازات مائية هامة من سدود وبحيرات جبلية وآبار عميقة وسطحية ومواجل وفسقيات لتعبئة مواردنا المائية للاستجابة لحاجياتنا ولمجابهة سنوات الجفاف. وهو ما يدعو إلى تنفيذ استراتيجية مائية متبعة ومتمثلة في تعهد وصيانة و"جهر" المنشآت المائية والتخطيط إلى توسعة شبكتها لاستيعاب أكبر كمية من مياه السيلان وخزنها كاحتياط مائي لوقت الحاجة. وهذا ما تسبب في ندرة مياهنا وانقطاعها وتكرار انقطاعها بمختلف جهات البلاد وفي كل الفصول. وأصبح العطش يتهدد النسل والحيوان والحرث. ولتدارك الأمر آن الأوان لاتخاذ التدابير التالية لتجاوز أزمتنا المائية. الاستعانة بالكفاءات والخبرات العالية في المياه التي مرّت بوزارة الفلاحة وتركت بصماتها شاهدة على ذلك لإيجاد حل لندرة المياه ببلادنا. تسلّح الحكومة بالجرأة والإقدام لوضع حد لتحويل مياه الفلاحة إلى السياحة واستغلالها في المسابح العملاقة وتشجيع أصحاب هذه النزل على إنجاز وحدات لتحلية مياه البحر لتشغيل مسابحهم محافظة على هذا المورد الهام من موارد تنمية اقتصادنا، مع تحجير تزويد مسابح الأثرياء بهذه المياه لأولوية الشرب والري الفلاحي أو إقرار الأداء البلدي الذي تم توظيفه على هذه المسابح والذي تم رفضه من قبلهم وقبلت الحكومة بموقفهم اللاوطني. مبادرة الحكومة بكل شجاعة بمنع تزويد منطقة الحوض المنجمي بمياه الفلاحة والتعجيل ببناء محطة لتحلية مياه البحر وربطها بالمنطقة المنجمية بواسطة قناة حاملة لهذه المياه المحلاة . لاستخدامها في الاستعمالات المنجمية محافظة على أهم ثروة طبيعية وأكبر دعامة أساسية لاقتصاد بلادنا. وحتى ينعم متساكنو الحوض المنجمي بالماء الصالح للشرب والري لسقي مزروعاتهم وأنعامهم إسراع الحكومة باتخاذ إجراء مماثل وذلك بقطع المياه الفلاحية التي تتزوّد بها المنطقة الصناعية بغنوش بقابس من بئر الخبايات الارتوازية والحارة الواقعة بالحامة من ولاية قابس والمقدرة بألف لتر في الثانية (1000ل/ث) منذ سنة 1984 إلى يومنا هذا وبعد أن وعدت وزارة الفلاحة فلاّحي الحامة بتمكينهم من 2ل/ث لإحياء واحتهم القديمة لكنها لم تف بوعدها. وذهبت الواحة بدون رجعة. لذا وجب على إدارة المركب الكيميائي بقابس أن تركز فورا محطة لتحلية مياه البحر واستعمالها لأغراضها الصناعية وإعادة هذه الكميات الهائلة من مياه الفلاحة لتوفير الماء الصالح للشرب وماء الري لفلاحي هذه الجهة وبذلك نضمن المكسبين الفلاحي والصناعي في آن واحد. الإسراع بإنجاز المشاريع الفلاحية غير المنجزة إلى الآن وبالخصوص سدّي ملاق وسراط بالكاف وأشغال حماية مدن حوض مجردة من الفيضانات والتعاون مع الدول الشقيقة والصديقة التي لها خبرة واختصاص في إدارة المنشآت المائية لمساعدتنا على "جهرها" والتي لم يتم "جهرها" من يوم إنشائها إلى يومنا هذا وفتح مجاريها وصيانتها بانتظام لضمان جدواها، مع إمكانية برمجة بناء سدين عملاقين في جهتي طبرقة وعين دراهم كخزانين كبيرين احتياطيين لمياه الشمال وربطهما بسدود نبهانة ومرق الليل وزرود بجهة القيروان للاستعانة بهذه المياه في سنوات الجفاف بهذه الجهة الفلاحية الهامة التي تضرّرت كثيرا من الجفاف بحكم فقدانها لغلافها النباتي الذي دمره النظام التعاضدي في الستينيات. لقد كشف الدكتور محمد التومي من مركز الدراسات الاستراتيجية والديبلوماسية أن الجانب الليبي استولى على مخزوننا المائي الواقع بما يعرف جغرافيا بمثلث غدامس. إذ أنه أثناء التنقيب على النفط سنة 1953 اكتشفت البعثات العلمية إلى ليبيا كميات هائلة من المياه العميقة في المثلث الحدودي في ما يعرف بحوض غدامس. وهي مياه مشتركة بين تونس وليبيا والجزائر مع الإشارة إلى أن كلا من الجزائر وليبيا أخذت نصيبها من هذه المياه. وتبقى الجزء المرصود لتونس والمقدر ب9 مليارات متر مكعب تحت إشراف الأممالمتحدة. والغريب في الأمر أن المسؤولين في تونس لم يبدوا أي اهتمام بهذه المياه لا قبل الثورة ولا بعدها. وهو ما يستوجب التنبيه إلى هذه الثروة المائية الهامة التي يمكن أن نزود بها ولايات الجنوب الشرقي والغربي (مدنينتطاوينقبليتوزرقفصة) للشرب والري بالتعاون مع جيشنا الوطني. وبهذا يمكن حل أزمة المياه في المستقبل المنظور بجنوبنا التونسي وحتى لا تضيع حصتنا المائية هذه كما ضاعت حصتنا البترولية في الجرف القاري نتيجة إهمالنا لواجباتنا الوطنية. إلحاق دائرة الهندسة الريفية والخاصة بتزويد المناطق الريفية بالماء الصالح للشرب بإدارة الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه للجدوى الفنية والمالية والتخلص من تجربة الجمعيات المائية لمياه الشرب الفاشلة في معظمها لعدم قدرة القائمين عليها ماديا وفنيا وعمليا على غرار ما تقوم به شركة الماء التي لها كل الإمكانات لضمان تزويد المتساكنين بالماء الصالح للشرب في أفضل الظروف وفي أغلب الأوقات على الرغم من الصعوبات التي عرفتها والتي تتجاوزها. التعجيل بإنجاز شبكة محطات تحلية مياه البحر لتصبح وظيفية لتغطية المناطق السكنية التي أصبحت بها ندرة المياه الصالحة للشرب حادة. الحرص على استبدال الضخ بالطاقة الكهربائية لمياه الشرب والري بالضخ بالطاقة الشمية أو الهوائية للضغط على كلفتها على المستهلكين مع دعوة الفلاحين الى اتباع الطرق العصرية للري لترشيد مياه الري والتخلص من مديونية الري مع التزامهم مسبقا بخلاص حصصهم المائية لمزيد دعم ذلك. عملا بالاستئناس بهذه الآليات وباجتهاد خبرائنا في المياه وبانضباط القائمين على تجهيزاتنا المائية نستطيع أن نبني منظومة مائية ناجعة ومواكبة لتطورات مجتمعنا في جميع مجالاته الحياتية.