بقلم : المنصف بن فرج في الجمهورية الجزائرية الشقيقة يأتي عيد أول نوفمبر كل سنة في مقدمة الأعياد الوطنية من حيث المغزى والمكانة التاريخية، لأنه اليوم الذي تفجر فيه غضب الشعب الجزائري. ووجهت فيه الطلقة النارية الأولى إلى صدر المستعمر المحتل الذي جثم على أرض الجزائر قرنا وربع القرن سلط فيها على الشعب الجزائري كل أنواع الظلم والقهر والإقصاء والتهميش والحرمان . إنه اليوم الخالد في تاريخ الجزائر الذي أشرقت فيه شمس الحرية التي خاضها الشعب الجزائري بكل بسالة خلال سبع سنوات ونصف من الحرب التحريرية . إنه يوم تبقى بصماته في أعماق التاريخ لتقرأها الأجيال المتعاقبة ويتأمل في احداثها وبطولات أمجادها الخالدين، لتميز ذلك اليوم باندلاع ثورة أول نوفمبر المجيدة في جبال الأوراس الشامخة بشموخ رجالها ونسائها وأبطالها المناضلين وفتح جبهة ثانية في قلب فرنسا على أيدي أبناء الجزائر البررة الذين أبوا إلا أن يجسدوا تلك الحقيقة على التراب الفرنسي. وبرهنوا لوطنهم وشعبهم والشعب الفرنسي والعالم أجمع أنهم جزء لا يتجزأ من الشعب الجزائري. فعرفوا طريقهم إلى الحرية فأعلنوها ثورة عارمة على الظلم والطغيان. فالثورة الجزائرية امتد عطاؤها فتجاوز حدودها الجغرافية ليصبح التراب الفرنسي مقسما إلى ( 06 ولايات ) إدارية بسياسة عسكرية بنفس درجة التقسيم الذي وقع داخل التراب الوطني الجزائري. فبالرغم من محاولات التقتيل والتنكيل والإبادة الجماعية وقطع الرؤوس بالمقاصل وحرق البيوت وتهجير السكان ظل الشعب الجزائري المجاهد صامدا. وبرهن بحق على قدرته وشجاعته وبعد نظره وصموده. فكسب إعجاب العالم. وحرك ضميره. ومن ذلك كله كان ابراز الطابع الشعبي لثورة الفاتح من نوفمبر 1954 العظيمة . وقبل الدخول في تفاصيل ثورة نوفمبر 1954 لابد من التعرض بكل إيجاز إلى الأوضاع السياسية التي كانت سائدة قبل اندلاع الثورة التحريرية الجزائرية والأسباب التي أدت إلى انفجارها . من خلال معرفتي المتواضعة للجزائر والجزائريين وكبار المقاومين والمناضلين الذين مازال البعض منهم على قيد الحياة وصداقتي للعديد من الإعلاميين والكتاب والمؤرخين الجزائريين، حيث تكونت بيني وبينهم صداقة حميمة ودائمة على مدى عشر سنوات من المهمة الدبلوماسية التي باشرتها لمدة عشر سنوات في كل من عنابةوالجزائر العاصمة تبين لي ما يلي : لقد احتفل الفرنسيون في سنة 1930 بمرور مائة سنة على احتلال الجزائر. وأقاموا احتفالات ضخمة أعلنوا فيها أن الجزائر أصبحت فرنسية إلى الأبد.وكانوا في ذلك الوقت قد تمكنوا إلى حد بعيد من محاربة الثقافة الجزائريةوالتونسية على حد سواء. ولكن لم ينجحوا في القضاء عليهما لأنهما مرتبطان بالدين الإسلامي الحنيف. فتمخض عن ذلك الحدث قيام حركات جزائرية وتونسية عديدة اتخذ بعضها طابعا سياسيا والبعض الآخر طابعا ثقافيا واجتماعيا . ومن خلال التفاصيل التي استمعت اليها من عديد الوجوه السياسية المعروفة أثناء إقامتي بالجزائر كقنصل عام في الجزائر تبين لي أن الثورة التحريرية الجزائرية مرت بثلاث مراحل أساسية هي : المرحلة الأولى : ممتدة من سنة 1954 إلى سنة 1956 وهي تتصف بالإعداد المادي وتدعيم صفوف جيش جبهة التحرير الوطني . المرحلة الثانية : هي مرحلة التنظيم التي استمرت من سنة 1956 إلى سنة 1958 .حيث نظم الجيش الجزائري فرقا وفيالق. وتطوع في صفوفه العديد من التونسيين القاطنين بالشريط الحدودي. وبذلك تأكدت الملحمة النضالية التونسيةالجزائرية. وهو موضوع الكتاب الجديد الذي أصدرته مؤخرا بعنوان "ملحمة النضال التونسيالجزائري ( من خلال الغارة الفرنسية على ساقية سيدي يوسف ) وهو الكتاب الوحيد والفريد في تونسوالجزائر الذي يتعرض إلى تلك الملحمة النضالية بين الشعبين التونسيوالجزائري والتي تمت بين البلدين الشقيقين بكل تلقائية ( ودون اتفاقيات مسبقة ). وهي المعجزة الحقيقية . وقد قامت جبهة التحرير الوطني الجزائري بالتحرك من جبهتين : الجبهة العسكرية – والجبهة السياسية تقود المعركة وتقود الشعب وذلك بفضل ما تتمتع به من ثقة وما تتميز به من تنظيم محكم حققت به الجزائر أروع الانتصارات على أقوى قوة استعمارية في ذلك التاريخ . أما المرحلة الأخيرة : الممتدة من سنة 1958 إلى سنة 1962 وهي المرحلة التي كانت فيها الحرب الجزائرية الفرنسية في أوجها فقد تلاحمت خلالها الجماهير الجزائرية مع الثورة التحريرية المباركة. حيث تمكنت جبهة التحرير الوطني الجزائري بفضل مناضليها ومجاهديها ومحافظي حزبها ( لجان التنسيق الحزبي) من إفشال مختلف العمليات العسكرية العدوانية الجهنمية التي فكر في تنفيذها المستعمر الفرنسي " شال – لاكوست ". حيث تمكن الجيش الوطني الجزائري من هزم المستعمر وإلحاق أضرار جسيمة به. وما كان لتلك الملحمة التحريرية أن تحقق الانتصار بتلك الصورة الرائعة لو لم يجد الشعب الجزائري قيادة وشعبا روحه ومطامحه في البيان الأول الذي أصدرته جبهة التحرير الوطني معلنة بذلك ولادة ثورة الفاتح من نوفمبر 1954 العظيمة والذي حققت به الاستقلال التام . إن احتفال الشعب الجزائري الشقيق اليوم بهذه الذكرى المجيدة هي من أهم ما يحرص عليه جيل أول نوفمبر في الجزائر وخارجها فتتذكر الأجيال صورة ومعاني التضحيات التي قدمها أجدادهم لأنهم لم يعيشوا قساوة الكفاح التحريري ومعاناة شعبهم ليبقى اعتزازهم بوطنهم قويا ودائما وكذلك لكي يدرك شباب اليوم في الجزائر وفي تونس أو غيرها أن الاستقلال لم يأت هبة من المستعمر الفرنسي بل جاء بفضل الشهداء الذين ماتوا جميعا من أجل الحرية والاستقلال والكرامة والأمن الدائم والتنمية . قنصل عام سابق لتونسبالجزائر ومؤلف كتاب ملحمة النضال التونسي الجزائري