في مثل هذه الأيام من سنة 2016 كانت أنظار التونسيين متجهة لحكومة الوحدة الوطنية التي جيء بها من أجل انقاذ البلاد من أزمة شاملة، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وهو ما وعد به آنذاك رئيسها يوسف الشاهد.. تونس – الشروق: تطوي حكومة يوسف الشاهد هذه الأيام عامها الثاني وسط تساؤلات عديدة ما انفك يطرحها المتابعون وعموم التونسيين: ماذا حققت هذه الحكومة من وعودها التي اعلنها رئيسها يوم 26 أوت 2016 امام مجلس نواب الشعب؟ هل كانت في مستوى المسؤولية أم واصلت السير على غرار سابقاتها من حكومات ما بعد الثورة دون تحقيق ما علقه عليها التونسيون من آمال وانتظارات؟ بعد انتخابات 2014، ومع قدوم حكومة حبيب الصيد، كان التونسيون ينتظرون تحسنا شاملا لمختلف الأوضاع. لكن لم تكد تطوي عامها الاول حتى صوّرتها الأطراف الفاعلة على انها لم تكن في مستوى الانتظارات ليتقرر في ما بعد استبعادها ;تعويضها بحكومة وحدة وطنية..في المقابل قدّم الفاعلون أنفسهم حكومة الوحدة الوطنية في صورة «المُنقذ» والمُحقق للانتظارات والآمال في قادم السنوات. اليوم وبعد مرور سنتين، ثمة اجماع لدى التونسيين على ان الوضع العام لم يختلف في صعوبته عن وضع صائفة 2016 الذي كان وراء استبعاد حكومة الصيد وقدوم حكومة الشاهد: تواصل الازمة المالية للدولة والأزمة الاقتصادية والتنموية وتواصل التقلبات الاجتماعية والاحتقان الشعبي خاصة بسبب غلاء المعيشة وارتفاع نسب البطالة ومعدلات الفقر الى جانب تواصل بعض التململ من تقلبات الوضع الامني.. تقلبات بالجملة وما يُجمع عليه الملاحظون وعموم التونسيين ان سنتي 2017 و2018 كانتا من أصعب ما مرّت به البلاد اقتصاديا وماليا واجتماعيا: ارتفاع غير مسبوق للأسعار بسبب انزلاق مفرط لسعر الدينار وبسبب عجز من الدولة عن التصدي لمظاهر الاحتكار والمضاربة وانفلات الزيادات العشوائية، وارتفاع غير مسبوق ايضا في اسعار المحروقات وفي معاليم الضرائب المختلفة، وهو ما زاد في اثقال كاهل المواطن. وفي المقابل، زادت نسبة البطالة خاصة في ظل توقف الانتدابات في القطاع العام وتراجع بعث الاستثمارات الخاصة لا سيما في المناطق المهمشة والفقيرةز كما شهدت الاجور أيضا حالة من الركود وازدادت خلال العامين الماضيين معاناة الفئات الفقيرة والمهمشة في ظل حالة من الارتباك على مستوى العمل الاجتماعي للدولة. وعلى المستوى المالي، تضاعفت الصعوبات المالية للدولة بسبب ارتفاع ديونها الخارجية وهو ما جعلها في وضع اتهام بالتبعية المالية للقوى المالية الدولية ابرزها صندوق النقد الدولي وغيرها من الاطراف المانحة، وبسبب تراجع مدخرات العملة الصعبة الناتج عن صعوبات في قطاعي التصدير والسياحة. ضعف وهشاشة خلال العامين الماضيين واجهت الحكومة تهمة «غياب الجرأة والشجاعة» في عديد المجالات. فالحرب على الفساد التي اطلقتها اعتبرها كثيرون منقوصة ولم تكن في مستوى الانتظارات بسبب اتهام الحكومة بالانتقائية والهشاشة في مواجهة كل الفاسدين بلا استثناء . كما يتهم كثيرون الحكومة بفقدان الصرامة والتشدد طيلة العامين الماضيين في تطبيق القوانين على المخالفين وفي التصدي لحالات الانفلات المختلفة خاصة في مجال الخدمات العمومية التي تراجع مستواها (الصحة – التعليم – النقل – البنية التحتية – النظافة والبيئة - الإدارة). أما على الصّعيد الامني ورغم التحسن النسبي في الحرب على الارهاب إلا ان ارتفاع نسبة الجريمة أصبح أمرا مُقلقا بالنسبة للتونسيين.. مشكل سياسي على الصّعيد السياسي، لم يختلف الامر كثيرا عن الوضعين الاقتصادي والاجتماعي: صراعات وخلافات وتقلبات أرهقت معها كل التونسيين وكانت الحكومة شريكا أساسيا فيها من خلال رئيسها يوسف الشاهد الذي كان أحد أبطال المعركة. وهو ما يعني في راي المتابعين ان الحكومة لم تقدر على فرض حالة من الهدوء السياسي كانت أكثر من ضرورية في مثل هذه الفترة لتحقيق الاستقرار الاقتصادي المنشود. وفي السياق ذاته، يوجه الملاحظون اتهامات لكامل «فريق» الوحدة الوطنية الذي غلبت عليه الحسابات السياسية والحزبية الضيقة ولم يكن بمثابة الحزام السياسي القوي والآمن والمساعد للحكومة وهو ما جعلها تكون ضعيفة وهشة ومرتبكة.. مسؤولية واتهامات تتحدث الحكومة اليوم عن نجاحات في عديد المجالات وعن تحسن لبعض المؤشرات الاقتصادية والتنموية بعد مرور عامين على تسلم مهامها. وفي المقابل تعترف بتواصل مشاكل وصعوبات في مجالات أخرى وتقول انها لا تتحمل مسؤوليتها بمفردها بل بسبب عوامل خارجية. حيث تتهم مثلا تعطيل الانتاج الذي يتكرر من حين لآخر في قطاعات حيوية كالفسفاط والمحروقات وغيرها. كما تتهم ايضا تراجع ثقافة العمل لدى التونسيين وما اصبح يتسبب فيه من تراجع للانتاجية والمردودية. وتتهم كذلك بعض الاطراف السياسية بمحاولة عرقلة عملها من اجل حسابات سياسية وحزبية ضيقة وتتذمر خاصة من حالة الارتباك التي اصابت الفريق الحكومي جراء ما تردد طيلة الاشهر الماضية عن نية تغييره. رغم ان فترة عامين تبدو قصيرة لتقييم عمل الحكومة إلا ان ما يقوله المختصون والملاحظون هو انه كان بالامكان ان يتحسن الوضع اكثر خلال العامين الماضيين لو تحلت الحكومة باكثر جراة وشجاعة وصرامة في تطبيق القانون ولو عملت على تطوير علاقاتها بمختلف الاطراف لتفادي العراقيل والتعطيلات ولو تحلت ايضا بقية الاطراف بالوسطية والاعتدال في التعامل مع الحكومة بعيدا عن المواقف المتصلبة والقصوى..