ما هو ثابت ان وضع الاقتصاد التونسي تأزم الى حد الاختناق وحشر الاقتصاد في زاوية التجاذبات وصار ورقة سياسية في يد كل اللاعبين والغريب ان لا احد منهم لعبها بطريقة صحيحة بل بالعكس تم التلاعب بالمؤشرات وبالثروات والجميع يعد بغد افضل حتى صار ينطبق علينا كمواطنين قول المتنبي لحاسديه : أمسيت أروح مثر خازنا ويدا أنا الغني وأموالي المواعيد فالمواطن ضاقت به السبل وانحسرت الطبقة المتوسطة مع ما يعنيه ذلك من اخطار اجتماعية محدقة بالبلاد لن تكون فقط في شكل احتجاجات بل في ما نراه اليوم من تنام للعنف ومن ارتفاع لمنسوب التوتر. قد يعتبر البعض ان ازمة اقتصاد تونس لا حل لها في حين ان الامر عكس ذلك تماما فالاشكال الرئيسي في الاقتصاد التونسي مرتبط بارتفاع حجم ميزانية الدولة من 18 مليار دينار سنة 2010 الى 36 مليار دينار خلال 7 سنوات كما ان الديون ثقلت ليبلغ حجمها 70 مليار دينار وهو ما يجعل كل تونسي مدينا بقيمة 6 آلاف دينار منذ لحظة ولادته حسب توفيق بكار رئيس المركز الدولي الهادي نويرة للاستشراف والدراسات التنموية .. يحدث كل ذلك رغم ان تاريخ بلادنا وتجاربها في التعامل مع الازمات الاقتصادية يمكن ان يكون خارطة طريق للمسؤولين الحاليين للخروج من الازمة ففي أواخر ثمانينيات القرن الماضي كانت تونس تمر بأزمة اقتصادية حادة دفعت الدولة الى الدخول في برنامج اصلاحي يقوم اساسا على التفويت في عديد المؤسسات العامة إما بصفة كلية أو بصفة جزئية من خلال فسح المجال أمام القطاع الخاص ليمتلك حصصا ما في اسهم مؤسسات عمومية .. هذا الحل تعطل اعتماده منذ الثورة بسبب رفض عديد الاطراف له بل تم رفض حتى الشراكة بين القطاعين العام والخاص رغم ان الجميع يعلمون ان خسائر المؤسسات العمومية وصلت الى 3500 مليون دينار وان الحكومة هي بين مطرقة المؤسسات المالية العالمية وشروطها المجحفة وبين سندان وضع اجتماعي صعب سيزداد صعوبة حين تغلق المؤسسات العمومية ابوابها اذا عجزت الحكومة عن تمويلها والاكيد انها ستعجز امام انعدام الحلول.. ورغم كل تلك المؤشرات الخطيرة فان بعض الاطراف تصر على مواصلة سياسة الهروب الى الامام بل وصل الامر الى التهديد العلني بان المساس بالمؤسسات العمومية ستكون عواقبه وخيمة في لغة لا يمكن ان يدار بها حوارا اجتماعيا وفي تصوير للخوصصة على انها شر مطلق وانها استغناء عن آلاف العمال. وتناسى هؤلاء ان الخوصصة لن يتم اعتمادها بشكل اعتباطي بل حسب قوانين تضمن حقوق كل الاطراف كما انها ستوفر عائدات مالية كافية للدولة تغنيها عن الاقتراض وعن دعم مؤسسات خاسرة. اعتقد ان اصول عديد الفاعلين السياسيين والاجتماعيين «بيزنطية».. وهذا اساس البلية!