تعكس مؤشرات الثلاثية الأولى، منذ مطلع 2018 ،ببلادنا أزمة خانقة على مستوى المالية العمومية وضعف الاستثمار الأجنبي وارتفاع نسبة البطالة (9.15 بالمائة) ..وهذا الوضع الاقتصادي سبق وحذر من عواقبه عدد من المختصين وخبراء الاقتصاد والمالية خاصة في ظل انخفاض مخزون العملة الصعبة والذي لم تعرفه تونس منذ أكثر من عقد من الزمن وهذا التراجع في احتياط العملة (بلغ في فيفري المنقضي 11.868 مليار دينار أي ما يعادل 5 مليارات دولار) تسبب في ارتفاع نسبة التداين الخارجي فيما وصل تضخم الأسعار إلى 7.1 بالمائة في نهاية فيفري 2018 هذا إلى جانب التراجع الذي شهده الدينار التونسي في سنتي 2016 و2017. أّمّا خيارات الدولة لمواجهة الأزمة فوصفت من قبل بعض المختصين في المجال الاقتصادي ب»الترقيعية» خاصة وأن قانون المالية لسنة 2018 والقسط التكميلي لصندوق النقد الدولي غير قادرين - من منظورهم- على معالجة العجز المالي وتأمين التزامات البلاد على مستوى البنية التحتية أو الحفاظ على مستوى معتدل للأسعار ومع اقتراب منتصف السنة 2018 واستعدادنا لشهر رمضان، الذي يتضاعف فيه استهلاك التونسي (52 بالمائة)، ازداد الوضع تأزما فالمقدرة الشرائية تتدهور كل يوم أكثر من سابقتها متزامنة مع ارتفاع نسب البطالة وانسداد الأفق في صفوف الشباب وأزمات في قطاعات عديدة منها التعليم والصحة وغيرهما من المظاهر الخانقة في هذا السياق أوضح أستاذ علم الاجتماع والمشرف على المرصد الاجتماعي التونسي عبد الستار السحباني أن كل المؤشرات الموجودة والمرصودة تعكس أزمة سيما وأن الجميع يشتكي من وجود أزمة قائلا «عادة حين يكون قطاع أو فئة أو طرف في أزمة يكون الجانب الآخر في حال فضلى ولكننا اليوم في حالة «غش عام» وهذا معطى مهم كما أن رؤيتنا للمستقبل سلبية وتعلن عن وجود مخاطر في انتظارنا دون أن نحدد ماهيتها أمّا المسألة الثانية فهي الخطاب الإعلامي فهو في العموم يقدم صورة سلبية من فقر وعنف ونوع من الدراما المتواصلة فيما تعتبر النقطة الثالثة وهي المجتمع السياسي (الحكام والمعارضون) من أبرز أوجه هذه الأزمة ويزيد من التأزم رغم العودة الكبيرة للسياحة وإنتاج الفسفاط ومع ذلك تراجع الدينار وبالتالي فالمؤشرات غير واضحة» وأضاف محدثنا أنه لا توجد محاسبة فالشاذلي العياري (المحافظ السابق للبنك المركزي) على سبيل الذكر استقال ولم يحاسب، فيما نجد وزراء يوقعون اتفاقية مع نقابات ثم يقع الضغط على الوزارة بعد خروجهم لتنفيذها ولا يتم ذلك وبالتالي هناك تعطل على مستوى الحوكمة و»فخ اسمه التوافق» حيث يقول محدثنا «التوافق لا يتم إلا في صلب ديمقراطية مرتكزة لا ناشئة كما هي الحال في تونس فإلى الآن لم يتم فتح أي ملف عن عهد الترويكا أو الحبيب الصيد أو غيرهما فخطر الإرهاب قائم وتونس ضمن قائمة الدول المبيضة للأموال ونحن نتحدث عن هذا وذاك دون محاولة تغيير الوضع» وشدد أستاذ علم الاجتماع عبد الستار السحباني على أن فترة الأزمات تتسبب في تطور الاستهلاك إذ ترتفع نسبته على حساب الادخار وهو معطى يوضح أسباب ارتفاع الأسعار ونسقها التصاعدي فالسوق التونسية غير مراقبة والتونسيون مصابون بهستيريا جماعية فالخوف من الحاضر كما على المستقبل ولم يعد التونسي مطمئنا لا على عائلته ولا على أملاكه وهي حالة من الاسترابة، يمكن أن تتحول إلى عنف، في مستوى أول، ذاتي قد يؤدي إلى الانتحار أو، في مستوى ثان، إلى عنف موجه ضد العائلة والمجتمع قائلا:» ألم يكن من الممكن تجاوز أزمة التعليم في وقت أبكر أو الإشكال، الذي ظل لأشهر في قرقنة أو سجنان وغيرها من أزمات السنوات الأخيرة في تونس؟ والغريب أن الجميع يرفعون شعار «تونس قبل كل شيء .وبمتابعتنا للحدث الهام والراهن في بلادنا وهو الانتخابات البلدية نلحظ أن جميع المرشحين يتحدثون عن البيئة والنظافة ولم يلتفت أحد إلى مشاكل التونسيين رغم ان البلديات هي الأقرب للمواطن وفي تواصل مباشر معه مقارنة بالجهات الحكومية الأخرى كما أن 14 وزيرا في التشكيلة الحالية كانوا من المسوؤلين ،زمن بن علي ،وكل هذه التراكمات» قد تؤدي إلى الانفجار قريبا.» من جهته، قال مختص في علم النفس ورئيس جمعية الدفاع عن حقوق الطفل معز الشريف أن تونس بعد الثورة مازالت في فترة انتقالية ورغم أن أسباب الثورة كانت اجتماعية واقتصادية إلا أننا منذ خمس سنوات نحن نعيش على أولويات سياسية ولم يقع التطرق بجدية إلى مشاكل التونسيين الاجتماعية والاقتصادية ،فبعد الأمل وسقوط الدكتاتورية والانفتاح الديمقراطي صار إحباط للشعب التونسي من القيادات السياسية، التي لم تكن في مستوى انتظارات الشعب التونسي وأصبح الخطاب السياسي يحوم حول السياسيين وحول السلطة ولم يتخذ بعين الاعتبار المشاكل اليومية وفي كل المجالات. وأضاف محدثنا أن حرية الرأي والتعبير تعد المكسب والانفراج الوحيدين، اللذين عرفهما التونسيون بعد الثورة فيما تواصل الطبقة السياسية صراعاتها للوصول إلى السلطة حتى ولو أدى ذلك إلى تأزم الوضع كما هي عليه الحال الآن واللجوء إلى تقسيم الشعب التونسي وتأجيجه والهدف منه ليس الدفاع عن الحقوق بالأساس ومنها الاجتماعية والاقتصادية بل كيفية الوصول إلى السلطة وتجديدها إلى حاكمة واستبدادية.