تونس(الشروق) تشهد قيمة الدينار انزلاقا غير مسبوق خلال الفترة الأخيرة ليتجاوز عتبة 3.2 امام الأورو و2.7 امام الدولار. وضع افرز تراجعا في مخزون العملة الصعبة ويثير مخاوف عديدة تجاه مآلات هذه الازمة فإلى اين تتجه بنا ؟ لم يعد هبوط الدينار شان الخبراء الاقتصاديين لوحدهم في تونس فهو أيضا حديث الشارع حيث يتقاسم التونسيون المخاوف والحيرة تجاه هذا الانزلاق المستمر لقيمة العملة الوطنية امام ابرز العملات الأجنبية ويستشعرون هذه الازمة من خلال معاملاتهم اليومية في الأسواق. فغلاء الأورو بوجه الخصوص كانت له تداعياته على الأسعار اذ ان ارتفاع أسعار المواد الأولية أسهم بالضرورة في الترفيع في أسعار المنتوجات ومن المتوقع بلوغ معدل ارتفاع الأسعار نسبة 8 بالمئة خلال الفترة القادمة وفقا لتقديرات البنك المركزي. تداعيات كبرى تداعيات انزلاق الدينار برزت أيضا من خلال تازم الوضع في المؤسسة الاقتصادية التونسية في جميع المجالات وبالتالي ارتفاع كلفة الإنتاج. فحتى الصحافة الورقية ذاتها أصبحت تعاني مشاكل في الاستمرارية بسبب غلاء كلفة الورق وقد اختفت صحيفة «الصريح» من السوق بسبب هذه الازمة وتراجع الطبع في صحف أخرى ليضاعف هذا الوضع من ازمة الصحافة المكتوبة (وهي ازمة عالمية). كما انعكس انزلاق الدينار على حلم العديد من التونسيين باستكمال الدراسة بالخارج لتفقد الاسر قدراتها على تمويل دراسة أبنائها بالخارج بل ان الدولة ذاتها أصبحت تجد صعوبة في التكفل بالمتميزين الراغبين في استكمال الدراسة بالخارج وبالتالي تم التخفيض في عدد المتكفل بهم. وتسري ازمة انزلاق الدينار في عروق القطاع الصحي في تونس وهو ما تسبب في ازمة فقدان الادوية بسبب تراكم ديون الصيدلية المركزية لدى المخابر الأجنبية في وضع تعيش فيه الميزانية العمومية حالة ضغط كبير بسبب الوضع الاقتصادي وتراكم النفقات. هذا الوضع يجد له خبراء الاقتصاد المبررات المنطقية اذ هو حصيلة سنوات من الاهتزاز في السياسة الاقتصادية فالميزانية العمومية أصبحت ميزانية نفقات اكثر مما هي ميزانية للاستثمار كما ان توقف الإنتاج في قطاعات عديدة اسهم في تراجع التصدير وبالتالي تراجع عائدات تونس من العملات الأجنبية المرجعية أي الأورو والدولار. أزمة العجز التجاري وزير المالية الأسبق حسين الديماسي -والذي تقدم باستقالته من حكومة حمادي الجبالي في فيفري 2012 متمسكا برفضه الزيادة في الأجور-قال ان هبوط الدينار بدا منذ 2011 لكنه اصبح اسرع خلال الفترة الأخيرة مرجحا ان يتواصل هذا الانزلاق ما لم تتم معالجة الأسباب. وقال الديماسي ل»الشروق» ان العجز الكبير والمتصاعد في الميزان التجاري هو عنصر أساسي متسبب في هبوط قيمة الدينار اذ كان هذا العجز في حدود 8 مليار دينار وخلال السبعة اشهر الأولى ل2018 اصبح في حدود 10 مليار دينار وعلى هذا المنوال قد يصل الى 16 مليار دينار على حد قول الديماسي. وذكر ان التحسن في الصادرات الذي تتحدث عنه السلطات يجب قراءته بالأسعار القارة مشيرا الى ان الواردات بصدد الارتفاع بشكل كبير مقابل تباطؤ في تطور الصادرات. ولاحظ ان الثقل في الواردات مصدره بعض المواد الغذائية وخاصة الحبوب والزيوت وخاصة المحروقات قائلا «انتاجنا المحلي من الطاقة بصدد التراجع والاستهلاك بصدد الارتفاع ولكن للأسف لا تبدو قضية المحروقات مهمة ولا يتم طرحها بشكل جدّي ولا يتم النقاش حولها رغم انها اكبر تحد للعام المقبل». العنصر الثاني المهم الذي لعب دورا في هبوط قيمة الدينار هي ارتفاع نسبة التضخم والذي بلغ الى غاية جويلية الماضي 7.5 بالمائة ويشير الديماسي الى ان نسبة التضخم بالمنطق الاقتصادي مرتفعة جدا وهي من اسوإالمسائل في الاقتصاد. فنسبة التضخم هي عنصر هام جدا و»اذا استمررنا بهذا النسق وواصلنا هكذا سيزيد انهيار الدينار فأسباب الانهيار الرئيسية قائمة خلال الأشهر القادمة». ترشيد الواردات تتعلق الأنظار بالميزان التجاري، ويعني تعديل الكفة بالنسبة للخبراء الاقتصاديين انقاذا للدينار والإنقاذ يأتي بدعم الصادرات وتطويرها أولا وترشيد الواردات ثانيا الا ان الخبير الاقتصادي حسين الديماسي يعتبر ان مسألة ترشيد الواردات ليست مسالة أساسية بل هي نوع من «الشعبوية التعيسة» على حد وصفه مضيفا «ليس لنا من حل سوى تحسين الصادرات وذلك يتم بعنصرين أساسيين أولهما التحكم في كلفة الإنتاج وثانيهما دعم الإنتاجية والعمل فالإنتاجية هي روح الاقتصاد لكنها بصدد التراجع منذ سنوات هذه قضايا حياتية لا احد يتحدث عنها». التضخم بالنسبة لحسين الديماسي يعني ان اقتصادنا انتاجيته معدومة وانتاجه أيضا. ويعتبر الديماسي ان تداعيات هذا الوضع كبيرة فهو يزيد هذا الاقتصاد المتأزم الذي يورّد اكثر ممّا ينتج تازما إضافيا وهي ظاهرة اقتصادية وأيضا اجتماعية اذ ان مثل هكذا وضع ينعكس سلبا على القدرة الشرائية للمواطن التي تشهد تراجعا كما ان المعاناة مع التضخم قد تتضاعف بالتضخم المستورد علما وان هناك ثلاث فئات لا تتضرر بمثل هذا الوضع، انزلاق الدينار، وهم المصدرون وعائلات المهاجرين بالخارج باعتبار انهم يعيشون من تحويلات أبنائهم والتي ترتفع بمزيد هبوط الدينار وكذلك أصحاب المهن الحرة ما يعني ان اكثر المتضررين هم الاجراء والذي يمثلون حوالي 70 بالمائة من مجموع السكان. في المحصلة لا يبدو الوضع قابلا للانفراج في الوقت الحالي اذا ما لم تتحسن المؤشرات الاقتصادية وفي مقدمتها الصادرات وخاصة عودة صادرات الفسفاط وفقا لما يجمع حوله خبراء الاقتصاد باعتبار ان واردات المحروقات تستنزف ثلث مخزون تونس من العملة الصعبة وفقا لما تؤكده مصادر بالبنك المركزي. عدا ذلك وفي حال استمرار ذات العوامل سيتواصل نزيف انزلاق الدينار ومعه قد يتفاقم تراجع القدرة الشرائية. أسهمت الزيادة في الأجور ما بعد الثورة في ارتفاع القدرة الشرائية للمستهلك التونسي ما يعني زيادة في معدل الاستهلاك في الوقت الذي شهد فيه الإنتاج في اغلب القطاعات اضطرابا وانقطاعا وتوقفا وبالتالي على عكس ماهو معروف اقتصاديا لم يكن الاستهلاك هذه المرة علامة صحية للاقتصاد التونسي بقدر ما اسهم في ارتفاع الواردات وزيادة النفقات مقابل توقف للإنتاج وللصادرات وبالتالي ارتفاع في نسبة التضخم. ٪80 من الدفوعات التجارية لتونس تتم بالدولار والاورو ومن هنا تتاتى أهمية هاتين العملتين بالنسبة للاقتصاد التونسي كما انهما عملتان مرجعيتان في السوق العالمية. ٪67 هي القيمة التي فقدها الدينار منذ 27 أوت الماضي مقارنة بأسعار العملات المسجلة في 2012 3/1 الصادرات التونسية محروقات وقد بلغ حجم النفقات الخاصة بالمحروقات (غاز ونفط) خلال الثمانية اشهر الأولى ل2018 حوالي ٪75 من حجم مخزون تونس من العملة الصعبة. 10 مليار دينار هي قيمة العجز التجاري خلال السبعة أشهر الأولى ل2018. 70 يوم عمل هو معدل احتياطات تونس من العملة الصعبة. 4 مليار دولار هي قيمة تراجع مخزون تونس من العملة الصعبة في 2018.