تحولات كبرى يشهدها المشهد السياسي في تونس , تحوّلات قلبت المعادلات و أعادت صياغة ملامح خارطة الفاعلين الأساسيين , هذه التغيّرات أثّر رئيس الحكومة يوسف الشاهد في مساراتها وتأثر بنتائجها , وبالرغم من اختلاف القراءات حول مالاتها , إلاّ أن المشهد الجديد المُنتظر تشكّله, سيكون الشاهد بالضرورة أحد عناصره . تونس الشروق: استطاع رئيس الحكومة يوسف الشاهد , ان يكون محور الفعل السياسي في تونس في الفترة الأخيرة , بعد أن احتكر المبادرة على امتداد أشهر , وجعل من نفسه مركزا لكل التغيّرات التي يشهدها المشهد الحزبي في تونس , حتّى أن التكتلات و التحالفات الجديدة ,أصبحت تُقاس بمدى قُربها , او معارضتها له . الظاهر والباطن في مشروع الشاهد مؤشرات عديدة , تؤكّد ان يوسف الشاهد , لن يكون مجرّد اسم عابر في سلسلة الأسماء التي تداولت على قيادة الحكومة منذ سنة 2011 الى الان , وبالرغم من ان ظاهر المشهد يؤكّد على أنه منغمس في العمل الحكومي , ولا يولى اهتماما للتفاصيل الحزبية , وهو ما صرّح به مؤخرا في علاقة بالاستجواب الذي تلقاه من حزب نداء تونس , إلاّ أن الكواليس تتناقض كليّا مع ما يظهر على الصورة . أشهر طويلة , مرّت على بداية الصراع المُعلن بين يوسف الشاهد وقيادات حزب النّداء , ربح فيها الشاهد معركة «الوقت « فضمن لنفسه الاستمرارية في قيادة الحكومة , حتى وهو يفتقر للأغلبية في البرلمان , وهي سابقة لم تحدث من قبل , كما أنه حاول تجنّب كل مواجهة يمكن أن تُطيح به , فسعى الى المحافظة على ما أمكن من روابط مع رئاسة الجمهورية بالرغم من توتّر العلاقة مع رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي , خاصة بعد التصريح الذي اتهم فيه الشاهد , حافظ قائد السبسي بتخريب النداء . تجنّب المواجهة كما سعى الشاهد الى عدم الدخول في أي مواجهة مع حركة النهضة, الحزب الوحيد الذي تمسّك بدعمه , فبالرغم من إصرار قيادات النداء في كل مرة على ضرورة توضيح الشاهد موقفه من الانتخابات الرئاسية و التعهّد بعدم الترشح , في مقابل استمرار دعمه , الاّ أن الشاهد حاول القفز على هذا الملف أكثر من مرة ولم يقدّم ما يمكن اعتماده في سياق عزمه الترشح او أنه غير معني بهذه المحطة الانتخابية . تمكّن الشاهد من البقاء في موقعه , دون أية مواجهة بالرغم من أن النداء والنهضة مصرّان على معرفة ما يخطّط له في علاقة بالانتخابات الرئاسية القادمة , لكن هذا الامر بقي رهين التسريبات من هنا وهناك ودون أي جزم رسمي , يمكن ان يُنهي الخلاف ويُحوّل الاهتمام الى ملفات أخرى . نجح الشاهد في تجنّب أي صدام مباشر مع النداء , بعد ان ركّز نقده على حافظ قائد السبسي , واستثنى بقية القيادات , فتمزّق الحزب بين معارض للشاهد وداعم له , كما نجح في تجنّب مواجهة مباشرة مع حركة النهضة ,بالمماطلة في تحديد علاقته بالانتخابات القادمة , ما احدث صراعا داخليّا في الحركة , واستفاد الشاهد من الضبابية التي تُميّز المشهد السياسي في الفترة الحالية , فكل الأسئلة المتعلقة بالانتخابات القادمة , كان هو محورها. حركة في الكواليس بالتوازي مع كل هذه الحركة التي تخضع للنقاش علنا , يتحرّك الشاهد في سياقات أخرى مُحاطة بتكتّم شديد , وعلى رأسها تشكيل نواة حزب جديد , سيكون ركيزته الأساسية في الانتخابات القادمة , هذه النواة تتكوّن من شخصيات مقرّبة من الشاهد ومعظمها خاض معه تجرية الحزب الجمهوري , قبل الانتقال الى النداء , ومنهم من يوجد الان في التشكيلة الحكومية ومنهم من غادرها وتفرّغ لمهمّة الاتصال بشخصيات وطنية قصد الانضمام الى المشروع الحزبي الجديد . حركة الشاهد امتدت الى داخل اسوار البرلمان , حيث تمكّن بشكل غير مباشر , وعبر شخصيات مقرّبة منه , من تجميع عدد هام من النواب في كتلة جديدة , سُمّيت بكتلة «الائتلاف الوطني « وهي كتلة برلمانية أعلنت منذ البداية مساندتها للاستقرار الحكومي , و ضمنت للشاهد أغلبية برمانية تُمكّنه من تمرير ما يريد , بالتنسيق بين كتلة النهضة و كتلة الائتلاف , ويمكن أن تكون هذه الكتلة , الذراع التشريعي لحزب الشاهد . الدعائم والعراقيل يحاول الشاهد تطويع الإشكالات التي تعترضه , ليجعل منها عناصر تدعّم صورته لدى الرأي العام , وحرصه على مواجهة استجواب النداء , و شرط النهضة , بالتأكيد على أنه منشغل بمصالح الشعب ولا وقت له للتفكير في المسائل الحزبية , إنما هو محاولة لخلق صورة «الشخصية الوطنية « في مخيال الرأي العام التونسي , وهي صورة يمكن أن تكون أرضية ملائمة لخوض غمار الانتخابات القادمة . تبقى محاولات الشاهد , القفز على كل ما يُطلب منه حزبيا , سواء من النهضة او من النداء , وعدم الادلاء بأي موقف منها , موقفا في حد ذاته, فاللامبالاة بهذه الجزئيات , تعتبر تحقيرا لها , في مقابل الاعلاء من قيمة ما يقوم من عمل حكومي , وهي استراتيجية اتصالية يعتمدها الشاهد منذ فترة ويمكن ان تكون أحد مبادئ مشروعه السياسي , الذي يحظى بدعائم هامة يمكن ان تساهم في انجاحه , مثل العمر, الحنكة السياسية التي اكتسبها , شخصيات هامة تحيط به و تقدم له الدعم .. لكن هذه الدعائم تصطدم بمعطيات أخرى تهدد بتقويض هذا المشروع , مثل المؤشرات السلبية التي حققها في فترة حكمه , بناء علاقة عداوة مع عديد الأحزاب , نقاط استفهام كثيرة تُطرح على بعض المقربين منه و إمكانية تورطهم في الفساد . حزب على انقاض اخرين يحاول يوسف الشاهد تشكيل حزب جديد , على انقاض عدد من الأحزاب ,غادرها عدد من قياداتها والتحقوا بمشروع يوسف الشاهد , وهو ما يجعله في مواجهة مباشرة مع عدد من الأحزاب , أهمها نداء تونس وافاق تونس ومشروع تونس .. وهي أحزاب أصبحت تُجهر بالعداء للشاهد وتسعى لاسقاط حكومته . حزب الائتلاف الوطني يؤكّد مقربون من الشاهد أن الحزب الذي يعتزم تشكيله يمكن ان يحمل اسم حزب «الائتلاف الوطني « و هو استنساخ لتسمية الكتلة البرلمانية الجديدة التي تدعمه .