خلصت دراسة تشخيصية واستشرافية لظاهرة التجارة الموازية والتهريب بالفضاء الحدودي التونسي الليبي أنجزها المعهد التونسي للدراسات الإستراتيجية، إلى أن شريحة العمال والعملة الفلاحيين وصغار الفلاحين يمثلون نسبة عالية مقارنة بباقي الأصناف المتعاطية للتجارة الموازية على حدود البلدين مؤكدة «تورط» أمنيين واعوان ديوانة تونسيين لتسهيل دخول البضائع من ليبيا وتسليمها لأصحابها خاصة عبر شبكات منظمة.. ولاحظت الدراسة - التي ارتكزت خاصة علىأهمية العامل المحلي التاريخي والجغرافيوالاجتماعي والسياسي في تكوين البيئة الحاضنة لظاهرة التجارة الموازية والتهريب-أن «تجار الخط» - وهم شريحة من التجار العاملين مباشرة على الخط التجاري الموازي» بين تونس وليبيا- يعملون ضمن «نواميس» داخلية ناظمة لها لا تسمح بالدخلاء بالنشاط في مجال اختصاصها. (توازين من بن قردان، عرش الذهيبات في ذهيبة( ومن بعض المناطق الداخلية (بئر على بن خليفة، بوحجلة، سيدي بوزيد...) ويختصّ البعض منهم في تهريب المحروقات. وتبين أن شريحة العمال والعملة الفلاحيين وصغار الفلاحين يمثلون نسبة عالية مقارنة بباقي الأصناف المتعاطية للتجارة الموازية، رغم تأثر هذا القطاع بالتجارة الموازية والتهريب وتأثيره على نسبة الميكنة في القطاع الفلاحي، كما تبين أن 35,9 % من «صغار التجار» المنتصبين بسوق ليبيا ببنقردان يتكفلون بدورهم (السوق المغاربي) بعملية التزود بوسائلهم الخاصّة مباشرة من ليبيا، مصر، سوريا..(تمّ تسجيل 88 سفرة للشخص الواحد في السنة في 1992 و195 مرّة في سنة 2012). علما ان نشاط التهريب بين تونس وليبيا تضاعف بين 2011 و2012 بأكثر من 330 بالمائة.. شبكات تهريب منظمة ورغم ان الدراسة الاستراتيجية لم تضف المثير في ما يتعلق بطرق واشكال التتهريب التي تغذي التجارة الموازية وانتعشت خاصة بعد الثورة أي بعد 2011، إلا انها أشارت إلى معطيات على غاية من الخطورة وتؤكدها واقعيا الايقافات الدورية التي تقاوم بها مصالح وزارة الداخلية والمراقبة التجارية والاقتصادية للمهربين التي تكشف عن «تورط» امنيين، واعوان ديوانة يعملون ضمن شبكات تهريب منظمة..واعتبرت ظاهرة التهريب والتجارة الموازية «من أكبر المخاطر الاستراتيجية المهددة لأمن البلاد واقتصادها». ووفقالنفس الدراسة تعتبر «الشبكات الناظمة»التي أسسها «أصحاب رؤوس الأموال» المحليون أو من الجانب الليبي والمستغلون لتجار التهريب التقليديين بالمنطقة، من أبرز الشبكات تهريب السلع والبضائع التي تنشط حاليا بين البلدين وتساهم بشكل سلبي في اضعاف الاقتصاد المنظم وحرمان الدولة من أموال طائلة من الضرائب الاستهلاكية والديوانية وغيرها.. وصنفت هذه الشبكات إلى صنفين: طريقة البرنامج: وهي تسمية محلية لعملية تهريب منظمة تقع بالتنسيق بين مالك البضاعة والمهرب(الذي يتصرف كوسيط جمركي مواز) مع التنسيق مع أعوان محددين من أجهزة الأمن والجمارك على السواء من الجانب اليبي والتونسي بمعبر رأس جدير. طريقة الكرّاية: وتنطلق عند اختيار المالك التونسي ميناء طرابلس لاستقبال سلعته المشحونة من مواني الصين، سوريا، تركيا أو دبي وذلك للتهرب من معاليم الديوانة في المواني التونسية. ويتكفّل الوسيط الموازي بتسلم البضاعة من طرابلس وتسليمها لصاحبها في مكان متفق عليه في تونس )عادة العاصمة(. العولمة حاضنة رئيسية وخلصت الدراسة انه «لا يمكن فهم الظاهرة دون الرجوع إلى حاضنتها الرئيسية التي أفرزتها وهي «العولمة» والتي جعلت دول الجنوب مجالا لترويج بعض بضائع الشركات العبر- وطنية (Transnationales) والتي تمّ منعها في الدول الأوروبية وأمريكا التي تخصص حصريا للبضائع ذات المعايير الأصلية.» وتساهم التجارة الموازية في تونس وبالاعتماد على معطيات دراسة قام بها الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية من 15 إلى 20 % من الناتج الداخلي الخام وتشغل 31% من اليد العاملة غير الفلاحية. من حيث المبادلات التجارية، أشارت الدراسة إلى أن السوق الموازية انعكست سلبا على السلع المدعمة، وإيجابا على توريد المحروقات وبعض الآليات الفلاحية وغيرها من المواد والبضائع التي تستوردها تونس بالعملة الصعبة، ووصلت نسبة التوريد الموازي، «من إجمالي التوريد الفعلي من القطر الليبي نسبا عالية، ناهزت 76,8% بالنسبة ل2012 وفقا للنشرية الاقتصادية للسفارة الفرنسية في تونس. وبالرجوع إلى الاحصائيات والايقافات التي نشرتها وزارة الدفاع سنة 2016 بالمنطقة العسكرية العازلة تبين أنه تم حجز 721 عربة (سيارة وشاحنة) كما تم ضبط 1055 شخصافي هذه المنطقة، وحجز حوالي 23 قطعة سلاح (بنادق صيد، وكلاشنيكوف)، بالنسبة للسلع تم حجز قرابة 1.9 مليون لترمن المحروقات، اكثر من 881 الف علبة سجائر، 17.809 الف علبة معسل، 13.214 الفا (بين علبة وقارورة كحول)، كما تم حجز مواد غذائية وألعاب نارية واكثر من 4 آلاف راس من الأغنام وماعز. كما كشفت وزارة الداخلية خلال أوت 2017 ارتفاع في عدد عمليات التهريب التي تم احباطها ب 157 قضية بنسبة 21,30%(894 قضية من 1 جانفي إلى 31 جويلية 2017 مقابل 737 قضية خلال نفس الفترة من سنة 2016)، تم خلالها الاحتفاظ ب 52 مورّطا من 1 جانفي إلى 31 جويلية 2017 مقابل 80 مورطا خلال نفس الفترة من سنة 2016. توصيات من أبرز توصيات الدراسة لمعالجة ظاهرة التجارة الموازية والتهريب بالفضاء الحدودي التونسي الليبيتوحيد تعريف ظاهرتي «الاقتصاد غير الرسمي»، و»التجارة الموازية»، تكثيف الدورات التكوينية لأعوان وإطارات المصالح الديوانية والأمنية العاملة بالحدود وتشجيعها ماديا واستنباط آليات خاصة لمكافحة الرشوة والفساد في الهياكل الحدودية، تفعيل الاستراتيجية المشتركة للتنمية التي أقرتها الدول الأعضاء باتحاد المغرب العربي في مارس 1991 والتي تنصّ على إنشاء منطقة تبادل حر خاصّة بالمنتوجات المغاربية، تشريك المسؤولين الجهويين وجميع الأطراف المتداخلة في القطاع في ورشات عمل للحفاظ على الاقتصاد الوطني وهياكل الدولة، واحتواء القطاع الموازي من خلال الإعفاءات الجبائية.