أثارت الفيضانات التي ضربت ولاية نابل ظهر السبت الفارط مخاوف المواطنين من كارثة صحية وبيئية قد تنجم عن الأمطار الطوفانية التي اجتاحت الوطن القبلي والتي خلفت كما هائلا من الأوساخ والأوحال التي تشكل خطرا على الجهة. مكتب نابل «الشروق» صرح مدير حفظ الصحة بوزارة الصحة محمد الرابحي أمس الثلاثاء أنّ الوضع قد يصبح خطيرا بولاية نابل بعد الفيضانات الأخيرة إن لم يتم اتخاذ الاحتياطات الضرورية خاصة المتعلقة بشفط المياه والتطهير. وأضاف المتدخل أنّ اختلاط المياه المستعملة بالمياه الراكدة والطين يمكن أن يتسبب في عديد المشاكل الصحية الناجمة عن الجراثيم. وهو ما سيؤدي إلى انتشار عديد الأمراض والأوبئة خاصة أن هذه الفيضانات تزامنت مع ارتفاع درجات الحرارة. وهو ما يساعد على تكاثر الحشرات التي تستوجب المداواة. وشدّد الرابحي على دور الوزارة الذي سيكون وقائيا بدرجة أولى لتجنب هذه الأمراض خاصة أن عديد المناطق تضررت من هذه الفيضانات مما يجعل الخطر أكبر في انتشار الأمراض مؤكدا أن البلاغ الذي تمّ إصداره الغاية منه تحذير المواطنين من استعمال مياه الآبار والمواجل أو تغليتها وتصفيتها وتطهيرها بمادة الجافال عند الضرورة. وأعلن مدير حفظ الصحة أنّ المداواة ستنطلق بشكل عاجل في المؤسسات التربوية والمحلات المفتوحة للعموم والمنازل لمنع العدوى. تكوين 4 فرق لزيارة الأحياء المتضررة من جهته أكد مدير الصحة الوقائية بنابل عمر السليمي ل"الشروق" أنه في إطار الوقاية من المخاطر الصحية المرتبطة بالأمطار الطوفانية التي اجتاحت الجهة تم تكوين خلية جهوية للتوقي من الأمراض بإدارة حفظ الصحة بنابل. وذلك لحث الأطباء لمتابعة حالات الإسهال والإبلاغ عن الحالات غير العادية مع وضع برنامج خصوصي للوقاية من الأمراض المنقولة عبر المياه الملوثة وكل ماله علاقة بالبيئة من ذلك تكثيف المراقبة الصحية وتحليل مياه الشرب للمنشآت المائية المستغلة من طرف الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه والمجامع المائية والتثبت من مداواتها بمادة الجافال. وأضاف المتحدث أنه تم تكوين 4 فرق جهوية لزيارة الأحياء والمنازل المتضررة مع تطهير المنازل بعد شفط المياه من طرف أصحابها وتطهير الآبار والمواجل إلى جانب مراقبة قنوات مياه الصرف الصحي والمياه الراكدة بالأحياء ومداواتها بالتنسيق مع البلديات حتى لا تفرز تكاثر الحشرات والجراثيم الناقلة للعدوى. ولن يقتصر الأمر على المساكن الخاصة. بل ستكون عملية المراقبة والمداواة شاملة للمنشآت العمومية كالمؤسسات الصناعية والمحلات التجارية والفضاءات الكبرى إلى جانب المؤسسات التعليمية بالجهة مع حجز وإتلاف المواد المعروضة للبيع والتي غمرتها المياه. وقد بلغت 690 كلغ من المواد التالفة غير الصالحة للاستهلاك. وبالتنسيق مع المعتمدين ورؤساء اللجان المحلية لمجابهة الكوارث سيتم رفع الحيوانات الميتة وردمها وتطهير أماكنها بمادة الجير. ولا تقتصر المخاطر الصحية والبيئية على ما خلفته المياه التي اجتاحت المنشآت الخاصة والعمومية والطرقات فقط. بل يشمل الخطر أيضا الفضلات المنزلية التي انتشرت منذ يوم السبت الفارط بسبب الفيضانات بشكل ملحوظ ومفزع. فصرنا أمام كارثة بيئية أخرى أساسها الفضلات المكدسة هنا وهناك بمختلف المناطق المتضررة. أوساخ وفضلات تنتشر بمختلف المناطق المتضررة ففي نابلالمدينة شهدت بعض الأماكن تدخل شاحنات البلديات بعد مرور ثلاثة أيام من حصول الفيضانات ممّا خلّف استياء كبيرا في صفوف المواطنين. حيث عبر لنا عدد كبير منهم أنهم قاموا برفع هذه الفضلات بسياراتهم ورميها بالمصبات لتجنب المضار الصحية التي قد تخلفها. مواطن من منطقة سيدي عاشور رفض ذكر إسمه أكد لنا أن الروائح لا تطاق بسبب الفضلات المنزلية الملقاة في حيه والتي تسببت في انتشار الحشرات مؤكدا أنه قام صحبة بعض جيرانه بمداواة أماكن الحاويات الموجودة في منطقته حتى يتجنبوا حدوث كارثة صحية تهددهم وتهدد صحة أبنائهم. ومن يمرّ بجانب سور مركز التكوين المهني بسيدي عاشور يلاحظ بوضوح الوضع المتردي بسبب تراكم الأوساخ المنزلية وحتى أمتعة المواطنين الذين قاموا برميها بعد أن اجتاحتها المياه. وصارت غير صالحة للاستعمال كذلك نفس الشيء قرب المدارس الابتدائية بسيدي عاشور وبالتحديد قرب جمعية لذوي الاحتياجات الخاصة حيث تتكدس الأوساخ والفضلات بطريقة عشوائية مفرزة روائح لا تطاق تهدد صحة التلاميذ والأسرة التربوية من جهة والمتساكنين بالمنازل المجاورة. قمنا برفع ٪80 من الفضلات إلى حد الآن وفي هذا الخصوص أكد رئيس دائرة سيدي عمر وهو رئيس لجنة البنية التحتية في نفس الوقت نبيل خنين عن تدخل البلديات لرفع هذه الفضلات أنه في هذا الخصوص تم تكوين خلية أزمة ترأستها رئيسة البلدية. حيث تم توزيع المعدات للتنظيف وشفط المياه حسب الأولوية. وتعتبر منطقة سيدي عمر الأكثر تضررا بمنازلها ومنشآتها العمومية والخاصة مع محاولة التوفيق بين مختلف المناطق المتضررة. وهي المناطق الشعبية. وأضاف المتحدث أن التدخل بدأ منذ عشية وقوع الفيضانات. وقد تم رفع 80 % من الفضلات المنزلية مضيفا أن المستشارين خرجوا -باستعمال الرافعة- لإبعاد السيارات العالقة وسط المدينة التي جرفتها مياه الأمطار. وأشار المتحدث الى أن المستودع البلدي موجود في مجرى واد. وهو بدوره لحقته أضرار بسبب اجتياح المياه. وأضاف قائلا لقد تم تدعيم معداتنا بأخرى من تونس الكبرى وأريانة والمرسى... وتعتبر أكثر المناطق المتضررة الربط وسيدي عمر والمنجي سليم. وقد تم تقسيم مدينة نابل خلال التدخل على مناطق متضررة. حيث تكلف عدد من المسؤولين عن كل بلدية بمتابعة الأوضاع في منطقته التي تم تحديدها. كما أن التدخل شمل الطرقات الكبرى والمناطق التي لا نستطيع الوصول إليها. وأتوجه بشكري الى أعوان البلديات على مجهودهم وتدخلهم طيلة اليوم دون انقطاع». دعم من الخواص والمجتمع المدني في عملية التنظيف أكد رئيس دائرة سيدي عمر المتضررة من الفيضانات أنهم وجدوا مساندة ودعما كبيرين من مقاولين تطوعوا في عملية التنظيف إلى جانب بعض المنظمات والجمعيات الخاصة والاتحاد الجهوي للصناعة والتجارة بنابل والكشافة التونسية التي حضر عدد كبير منها من مختلف مناطق الجمهورية للمشاركة في عمليات التنظيف وتقديم المساعدة حتى المطاعم ساهمت – وفق حديثه- في هذه العملية بتوفير الأكل للمشاركين. لا وجود لمخاوف من الأوبئة والأمراض بسبب الفيضانات أكد نبيل خنين أنه ليس هناك داع من المخاوف التي اجتاحت المواطنين من انتشار الأمراض والأوبئة مطمئنا إياهم بمتابعة المسؤولين الجهويين لهذه النقطة وذلك بمراقبة الموارد المائية ومداواة المنازل والمواجل والأماكن التي تجمع المياه الراكدة محافظة على سلامة المتساكنين في مختلف المناطق. ودعا المتحدث المتضررين من جراء الفيضانات للاتصال بالمعتمدين والعمد الراجع بالنظر إليهم للحصول على تعويضات جراء الأضرار وذلك بعد الإجراءات التي اتخذها رئيس الحكومة يوسف الشاهد خلال زيارته لمعاينة المناطق المنكوبة صبيحة الأحد الفارط. رئيسة بلدية دار شعبان مستاءة من عدم إدراج المنطقة في قائمة تعويض الأضرار من جهتها أكدت سعيدة الصيد رئيسة المجلس البلدي بدار شعبان الفهري أن التدخلات كانت مباشرة بعد الفيضانات. ومع الانخفاض التدريجي لمنسوب المياه تم خلالها تشكيل خلية أزمة على مستوى البلدية كانت من مهامها التنقل على عين المكان لمعاينة الأوضاع وتسجيل الأضرار الحاصلة واستقبال المتضررين وتسجيل تشكياتهم انطلاقا من يوم الاثنين الفارط. وتم تبويب التدخلات حسب الأولويات على غرار التدخل بالمناطق التي تشكل خطرا على سلامة المواطنين والمؤسسات التربوية. وتمثلت الأشغال والتدخلات في رفع الأدباش والفضلات من أمام المنازل المنكوبة والتخلص من الأوحال والأتربة وكل ما أتت به الأودية وسدم الحفر في الطرقات وإزاحة الأعمدة الكهربائية بالطريق العام. وقالت إن هذه التدخلات لم تكن لتنجح ما لم تتضافر الجهود بين البلدية وبعض الخواص والغرفة الجهوية للمقاولين الذين دعموا البلدية بالآليات والمعدات الثقيلة بالإضافة إلى مكونات المجتمع المدني خاصة الكشافة التونسية والهلال الأحمر بدار شعبان الفهري. وتعزز الفريق المتدخل أمس الثلاثاء بفريق من وزارة البيئة والشؤون المحلية. ودعت سعيدة الصيد إلى ضرورة تصنيف مدينة دار شعبان الفهري ضمن المدن المنكوبة بالنظر الى الخسائر الجسيمة التي لحقت المحلات السكنية والتجارية والبنية التحتية بصفة عامة والتي مست أكثر من 80 بالمائة منها بالإضافة إلى تضرر أكثر من 700 عائلة ضررا كليا. وأكدت أن من أكثر الأحياء والمناطق المتضررة حي التقدم 1 و2 وحي النزهة وحي الرقوبة وحي سيدي المجدوب والطريق عدد 509 المؤدية الى الأرياف ووادي سيدي موسى على مستوى الطريق الحزامية. أما بالنسبة الى تراكم الفضلات المنزلية أكثر من خمسة أيام فأكدت رئيسة المجلس البلدي أن تشتت المجهودات خلال هاته الأيام عطل رفعها في الإبان بالإضافة إلى التخوف من مصبات الفضلات التي من شأنها أن تجرفها السيول وتعيدها داخل المدينة. وفي جانب آخر لم تخف سعيدة الصيد استياءها من تصريحات رئيس الاتحاد التونسي للتضامن الاجتماعي الذي أكد أن المساعدات ستخصص لمدن سليمان والحمامات ومنطقة سيدي عمر بنابل في حين كان من الأجدر إضافة مدينة دار شعبان الفهري الى القائمة باعتبار ما لحقها من أضرار جسيمة بالبنية التحتية. أطنان من الفضلات ومخاطر صحية وتدخلات بوتيرة بطيئة في معتمديات أخرى كما شهدت معتمديات بني خلادومنزل بوزلفةوقربة وبوعرقوب وتاكلسة خسائر مادية فادحة فإلى جانب نتائجها الكارثية على البنية الأساسية والممتلكات الخاصة أدى فيضان وادي القبة وسيدي التومي وعلي ووادي بوربيع بمعتمدية بني خلاد ووادي الباي بسليمان وأودية تاكلسة ووادي بوليدين بقربة الى حمل أطنان من الفضلات المختلفة وإلقائها بالتجمعات السكنية وضفاف الأودية وعلى مستوى الجسور والأدهى والأمر نفوق العشرات من الحيوانات من رؤوس أغنام وأحمرة ودجاج وبقاؤها الى حد الآن في الضيعات والأودية. وقد تعمد بعض الفلاحين إلقاءها بمجاري المياه. وهو ما سيشكل خطرا على صحة المواطنين. و جعل وزارة الصحة تحذر من هذه المخاطر وتدعو المواطنين الى توخي الإجراءات الوقائية والتلاقيح الضرورية. كما دعت البلديات الى القيام برفع الأوساخ. وهو ما يتم بنسق بطيء نظرا الى كثرة نقاط التدخل. ففي بني خلاد أكد علية رقمون رئيس لجنة النظافة أن البلدية تدخلت في طريق قربة ونهج المنزه وطريق بويحي لشفط المياه وردم آبار باتت تشكل خطراً. وفي قربة شددت ايمان رابح المسؤولة عن النظافة في المجلس البلدي على أن البلدية تتدخل بالمناطق المنكوبة بحي سيدي سالم وحومة سيدي علي وخلية الأزمة في اجتماع دائم للقيام بإزالة الأوساخ والفضلات العالقة التي حملها وادي بوليدين. أما في زاوية الجديدي فالبلدية وفرت كل الإمكانات مع الآليات الوافدة من الولاية لفك العزلة على مناطق القبة باترو إضافة الى سد الحفر العميقة التي أحدثتها السيول الجارفة. كما أنه سيتم إجراء تلاقيح للمواطنين بالمنطقة بعد زيارة ممثلة الصحة بالمعتمدية. وفي منزل بوزلفة أكد رئيس المجلس البلدي حبيب قوبعة أنه يتم التدخل على مستوى وادي سيدي سعيد ب"جهره" وتنظيفه وإرجاع مجراه الطبيعي بعد تغييره بسبب البناءات العشوائية مشيرا الى تضرر 70عائلة جراء فيضانات الوادي. كما أن التدخلات ستشمل المناطق البلدية الريفية كالرحمة وداموس الحاجة بعد وصول الدعم اللوجستي من الوزارة. وفي تاكلسة قال وليد العميري إن البلدية تقوم بالتدخل في المناطق المتضررة. وهي موجودة في كل المناطق بدوالة وبدار وبئر مروة والجبوزة وسيدي عيسى بالامكانيات المتوفرة والتي تدعمت ببعض الآليات التي وصلت مشيرا الى أن حجم الكارثة كبير. وإن الأضرار شملت البنية الأساسية بنسبة تصل إلى 100بالمئة. وهو ما يتطلب فترة طويلة للتنظيف وضخ المياه وإزالة الأوحال ورفع الفضلات المتراكمة في كل مكان داعيا الى مشاركة واسعة من المواطنين والمجتمع المدني.
