احتلّ سمير السليمي الأستوديوهات التَحليلية المحلية والعَربية دون أن يَعتزل التدريب الذي يَبقى الأٌقرب لقلبه والأنسب لمشواره الطّويل ب"مَريول" المنتخب ونادي "باب الجديد" الذي يُعاني حسب ابنه البار ومديره الرياضي السابق (وربّما العائد في يوما ما) من مشاكل فنية وتسييرية عِلاجها بيد "الرئيس" عبد السلام اليونسي المُطالب بفكّ "العُزلة" وفتح باب الحوار بوصفه الخُطوة الأولى نحو الإصلاح. والكلام طبعا لضيفنا الذي يشرح واقع الإفريقي ويُعرّج في الوقت نفسه على الوضع العام للكرة التونسية وعلى "مُغامراته" بين التحليل والتدريب. في البدء ماذا بَقي في الأذهان من تجربة بن قردان؟ رغم السيطرة الواضحة للتَحاليل الفنية على أنشطتي الرياضية فإنّني كنت قريبا من الميدان ومُطّلعا عن كثب على سَير الكرة التونسية وقد شكّل عرض اتحاد بن قردان فرصة مثالية لأخوض تجربة تدريبية جديدة. ولابدّ من توجيه تحية إكبار وتقدير لكافّة المسؤولين عن هذه الجمعية لأنّهم كانوا على قناعة راسخة بقدراتي والحمد لله أنّني كنت في مستوى انتظارات المحبين والمسيرين ونجحنا في تحقيق الحلم الأهمّ والأصعب وهو البقاء في دائرة الأضواء وذلك بفضل عزيمة الرّجال وب"عرق الجبين" وهذه حقيقة ساطعة وتُثبتها المُعطيات الواقعية. ويعرف القاصي والداني أنّنا تسلّمنا الأمانة في ظروف قاسية حتى أن الجمعية كانت تُصارع في أسفل القاع الأمر الذي كان يتطلّب أعصاب حديدية لقلب الأوضاع. وقد دارت عجلة الانقاذ وحقّقنا الامتياز أمام "الصّغار" و"الكبار" حيث فرضت الجمعية التعادل على الترجي (وهو البطل) وحصل السيناريو ذاته أمام الإفريقي هذا فضلا عن الفوز على "ليتوال". ومن المؤكد أن تلك القفزة النوعية التي شهدتها الجمعية في سباق البطولة المحلية لم تكن بمحض الصّدفة وإنّما هي نتيجة طبيعية للعمل الجبّار الذي قامت به مُختلف الأطراف من لاعبين وفنيين ومسؤولين ومحبين. وبناء على ما تقدّم أؤكد أنّني فخور جدّا بمغامرتي الرائعة في بن قردان التي عشت مع أهلها ونَاسها الطيّبين لحظات لا تُنسى. طالما أن التجربة كانت مع بن قردان كانت استثنائية لماذا لم يقع تكريس الاستمرارية من خلال تثبيتك على رأس الجمعية؟ بعد أن انتهت رحلة العناء بفرحة عارمة عبّرت الجهات الفاعلة في الاتحاد عن رغبته في تجديد ثقتها في شخصي لكنّني اعتذرت لها بكل لطف وذلك لعدّة اعتبارات موضوعية يمكن اختزالها في وجود العديد من الصّعوبات التي من شأنها أن تُعرقل سير العمل. ولا أنكر أنّني كنت في حاجة أكيدة على جرعة أوكسيجين بعد تلك "المَعركة" الشّرسة التي خُضتها مع بن قردان وقد وجدت ضَالتي في العرض القطري لتحليل النهائيات المُونديالية في الملاعب الروسية. هذا قبل أن أعود مُجدّدا إلى أرض الوطن وألتحق بقناة "التاسعة" المشكورة بدورها على ثقتها في تحاليلي الفنية وقدرتي على المساهمة في إفادة الجماهير الرياضية بعيدا عن القراءات السّطحية والخِطابات النارية. تَجدر الإشارة إلى أنّني تلقيت عدة عروض من الرابطة الأولى لكنّني خيّرت التحليل على أن تَبقى أبواب التدريب مفتوحة وهذا ما اتّفقت عليه مع إدارة "التاسعة" لحظة التوقيع على العقد وهو مَعنوي بالأساس مِثله مثل العُهود التي تربطني بجمعيتي النادي الافريقي الذي قد أعود إليه في يوم ما تَلبية لنداء الواجب. من مَوقعك كمحلّل قار في "التّاسعة" وكمدرّب في "بِطالة إرادية" ما حُكمك على الخطوات الأولى في سباق بطولتنا المحلية؟ مازلنا في البدايات ومن السابق لأوانه تَقييم المستوى الفني للمُنافسات المحلية التي تعيش فيها الجمعيات على وقع المشاكل الإدارية والمَالية. ومن المُلاحظ أيضا أن عدة جمعيات ستتأثّر سلبيا بالتقطّعات التي يشهدها سباق "المُحترفين" الذين ظهروا بمستوى متوسّط إن لم نقل إنه هَزيل والأمل كلّه طبعا أن يتحسّن الوضع في الجولات القادمة. أمّا على صعيد "الكَوارجية" الذين برزوا في مُستهلّ الموسم فقد لاحظت تألق بعض الأسماء مثل "كوم" والجريدي في الترجي والحناشي والعواضي في النّجم... أين يكمن الداء الحَقيقي في الكرة التونسية؟ قد يقول البعض إن غياب المال هو مُعضلة المُعضلات في الكرة التونسية وقد يُعدّد البعض الآخر جملة من العراقيل التي "تَحالفت" مع شُحّ الموارد المالية ل"تُفسد" البطولة كما هو شأن الضعف الفادح في البِنية التحتية واللّخبطة الكبيرة في الرزنامة علاوة على التحكيم المُتّهم أيضا بالمساهمة في خلق الفوضى في ساحتنا الكروية. وكل هذه التحاليل قابلة للنّقاش وصحيحة إلى حَدّ ما لكن لديّ إيمان ثابت بأن الخَلل الأكبر في الكرة التونسية يكمن في ضعف المسؤولين وأكاد أجزم أن أزمة أنديتنا ناجمة أساسا عن الفوضى التسييرية. ونفتقر صراحة إلى رؤساء أكفاء تكون لهم آراء حكيمة وشخصية قوية بشكل يجعلهم بمنأى عن تأثيرات الضّغوطات الجماهيرية و"التدوينات الفَايسبوكية" التي أصبحت للأسف الشَديد تتحكّم في توجّهات سائر المُشرفين على أنديتنا. ولاشكّ في أن المَهازل الإدارية والمشاكل المالية تَفضح ضعف المسؤولين والأدهى والأمر أن الكثيرين منهم أحاطوا أنفسهم بالوكلاء والدخلاء وهو ما أفرز توجّهات ارتجالية وانتدابات فَوضوية... وما خَفي كان أعظم. هل يَنطبق هذا الأمر على النادي الإفريقي وأنت أحد لاعبيه الأوفياء ورجاله المُخلصين عبر الزّمن؟ نحن نتحدّث عن حالة عامّة تَهمّ كلّ الأندية التونسية ولا يعيش نادي "باب الجديد" وهو جمعيتي "الغَالية" بمعزل عن الأوضاع التي تعرفها الجمعيات الناشطة في رابطة "المُحترفين". والحَقيقة أنّني أكنّ الكثير من الاحترام والتقدير لرئيس النادي الافريقي السيد عبد السلام اليونسي الذي لا يختلف عاقلان حول غَيرته على الجمعية وحِرصه الشَديد على خدمتها من كلّ المناصب التي تقلّدها في حديقة منير القبائلي. وَتَربطني علاقة جيّدة بالرّجل لكن هذا لا يَتعارض أبدا مع النّطق بكلمة الحقّ والتنبيه على بعض مواطن الخلل من أجل مصلحة الجمعية التي تظلّ فوق كلّ الحِسابات والاعتبارات. هل تُفصح عن أهمّ الاحترازات وأبرز التحفّظات تُجاه السياسات التي تَسلكها إدارة اليونسي؟ هُناك العديد من النقاط الجدالية والمسائل الخِلافية التي وجب طرحها كما هو الحال بالنسبة إلى المناهج المُتّبعة في ملف الانتدابات حيث بادر أصحاب القرار بتكديس ترسانة من "الكَوارجية" دون التدقيق في حاجات الجمعية والتثبّت في مُتطلّبات المرحلة وبصفة خاصّة التمحيص في الامكانات الحَقيقية للوافدين الجُدد. ولم أهضم شخصيا الطّريقة التي عالج بها أهل الحلّ والعقد ملف حراسة المرمى. ذلك أن الفريق حقّق "الاكتفاء الذاتي" في ظل وجود أسماء مُمتازة مثل الشّرفي والدخيلي واليفرني (قبل التفريط فيه لبن قردان في شكل إعارة). وقد نتفهّم السعي إلى التعاقد مع جاب الله قِياسا بصِغر سنه لكن التَوقيع مع "البلبولي" غير مفهوم. والأخطر من ذلك أن المُكلّفين بمعالجة ملف التعزيزات فتحوا باب الحديقة "أ" للاعبين مشكوك في مُؤهلاتهم بل أن بعضهم ليس له مكان في بنك الاحتياط وقد يجدون أنفسهم في المُدرّجات. وأتجنّب ذكر الأسماء تفاديا ل"التّجريح" وحِفاظا على سُمعة الجهات التي لها يد في بعض الانتدابات "المَضروبة". وأذهب أكثر من ذلك لأؤكد أن بعض الأقدام المُستوردة مُؤخّرا كانت قد فعلت المُستحيل في سبيل "التسلّل" إلى الحديقة وذلك أثناء الفترة التي أشرفت فيها على "الإدارة الرياضية" للجمعية. وقد رفعت في وجه هؤلاء "الفيتو" ومنعتهم من تحقيق مَآربهم لضعف امكاناتهم الفنية ولا أنكر أنّني تعرّضت آنذاك إلى كلّ أنواع الضّغوطات بل أن الأمر بلغ حدّ التهديدات. ونجحت في تلك الفترة من غلق المَنافذ على كلّ "السّماسرة" وأقنعنا الجميع بأنه لا بقاء في النادي الإفريقي إلاّ للأنفع والأجدر لأن الجمعية ليست "تكية" سائبة يدخلها كلّ من هبّ ودبّ. وأظن أن المسؤولين الحاليين أمام حتمية الاتّعاظ من تلك التجربة لقطع الطريق على كلّ الوكلاء والدخلاء الذي "يُشاع" بأنّهم يحاولون بكلّ الطّرق التواجد في مُحيط الفريق والتأثير في التوجّهات العامّة لمسؤوليه. يُواجه المدير الرياضي سفيان الحيدوسي والمدرب البلجيكي "جُوزي ريغا" انتقادات واسعة فكيف تُعلّق على هذه الهَجمات؟ بالنّسبة إلى الحيدوسي أؤكد أن "العِشرة" القائمة بَيننا قديمة ووطيدة ولن أسمح لنفسي بالقدح في مؤهلاته خاصّة أنه يشغل الآن خطّة المدير الرياضي وهو المنصب الذي كنت قد تقلّدته بالأمس القريب في "باب الجديد". ولو بادرت بتقييم عمله في الفريق سيقول عنّي البعض: "صَاحب صنعتك عدوّك". أمّا بخصوص المدرّب البلجيكي فقد لاحظت للأمانة أنه لم يُقدّم الاضافات التي جاء من أجلها. ذلك أن الجمعية وقعت في فخّ التعادل أمام "الهمهاما" قبل أن تنتصر بصعوبة على المنستير الذي دخل السّباق بجبال من المشاكل وقد انقاد بعد النادي إلى هزيمة مُوجعة على يد "القوابسية". والحَقيقة أن الحَصيلة كانت مُتواضعة والأخطاء المُرتبكة فادحة وأنا على اقتناع تامّ بأن الاختيار على هذا المدرّب لم يكن في مَحلّه والأيام ستثبت صحّة ما نقول. هل من حلول عاجلة لمُجابهة "العَاصفة"؟ أنا من الرافضين لمصطلح "الأزمة" ومن القائلين بأنّ الجمعية تعيش الآن بعض الصّعوبات الفنية والمالية التي من المُمكن تجاوزها خاصّة في ظل الدّعم الكبير الذي يوفّره السيد حمادي بوصبيع المشكور على وفائه الدائم وكرمه "الطّائي". ولاشك في أن الجمعية قادرة على التخلّص "كَابوس" الديون بصفة تدريجية بفضل مساعدات بوصبيع ومجهودات الهيئة المديرة بقيادة عبد السلام اليونسي المُطالب بإتّخاذ جملة من القرارات الجريئة لتصحيح المَسار سواء من حيث الأمور الرياضية والإدارية أوكذلك على مستوى السياسة الاتّصالية مع الجمهور الغالي والصّحافة. ولا يَخفى على أحد أن "الرئيس" فضّل مُؤخّرا حياة "العُزلة" وهو تَوجّه غير سليم ومن شأنه أن يُساهم في توسيع الفَجوة بين الفريق ومُحيطه العام ولا مفرّ من التَخلي عن النّهج بصفة فَورية. ولابدّ أيضا من "إصلاح" الحديقة التي أثبت التاريخ أنها القوّة الحقيقية للجمعية مِثلها مثل جماهيرنا العريضة والتي ستقف كعادتها خلف الجمعية إلى حين تجاوز مشاكلها الحالية. غير بعيد عن حديقة القبائلي يعيش مركب الجار على وَقع المربّع الذهبي لرابطة الأبطال فماهي حظوظ الترجي في هذه المسابقة القارية؟ سَاد الاعتقاد بأن الخصم المُرتقب للترجي في لقاء الغد وهو "غرّة أوت" الأنغولي يملك مؤهلات جيّدة بدليل بلوغه المحطّة قبل الأخيرة من رابطة الأبطال بعد أن كان قد أزاح مُنافسا من الوزن الثقيل وهو "مَازمبي" الكونغولي. وهذا الرأي مُحترم ويعكس أهميّة أخذ الاحتياطات اللاّزمة ليتفادى سفير الكرة التونسية الوقوع في هذا الفخّ. لكن هذا لا يَمنعنا من القول بأعلى صوت إن الفريق الأنغولي في مُتناول أبناء خالد بن يحيى وهم الأقرب إلى "الفِينال". وتبدو حُظوظ الترجي وافرة للمُراهنة على التاج القاري رغم أن الأهلي يبقى (على الورق) الفريق الأكثر جاهزية للتربّع على عرش الكرة الافريقية. تَقمّصت الأزياء الوطنية ولَعبت بجوار بن يحيى وطارق ومعلول... وغيرهم من "المكشخين" وأنت سيّد العَارفين أيضا بما أنتجه الترجي والافريقي من لاعبين دوليين فكيف تَنظر إلى واقع "النّسور" بعيدا عن الألوان التي تَذوب في حضرة النّجمة والهلال؟ لكلّ واحد منّا جمعيته المُفضّلة لكن عندما يَتعلّق الأمر بالمنتخب فإنه لا مكان للإنتماءات الضيّقة. والحَقيقة أنّني أتابع مسيرة المنتخب الوطني بتفاؤل كبير مَردّه معرفتي الجيّدة بقدرات فوزي البنزرتي وثقتي العَالية في المُؤهلات الفنية المُحترمة للجيل الحالي. وقد "اكتشفت" البنزرتي منذ فترة طويلة وتحديدا في التسعينيات عندما كنت لاعبا في النادي الإفريقي وقد أحرزنا معه آنذاك البطولة بجيل قوي يضمّ في صفوفه العديد من الأسماء اللاّمعة والعَالقة في ذاكرة الجماهير مثل الرويسي والمحايسي والتواتي واليعقوبي... وغيرهم. ولديّ قناعة ثابتة بأن البنزرتي هو المدرب الأنسب للمنتخب خاصّة بعد المسيرة الطّويلة والفريدة في عالم الكرة وأظن الرّجل يملك مُتّسعا كبيرا من الوقت لتجهيز فريق عتيد بإمكانه المُراهنة بجدية على اللّقب الافريقي (من المُنتظر أن تدور النهائيات في جوان القادم). وأعلّق شخصيا آمالا عريضة على هذا الجيل لتحقيق أحلام التونسيين والقبض على "الأميرة" الافريقية للمرّة الثانية في تاريخ منتخبنا الذي لا نَحسبه يتخلّف عن ركب المتأهلين إلى "الكان" خاصّة في ظل الانطلاقة المُوفّقة أمام مصر وسوازيلاند. ولا جدال في أن منتخبنا يضمّ في صفوفه العديد من العناصر الجيّدة أمثال الخزري والسليتي والصرارفي الذي أظهر امكانات لا يُستهان بها ولاشك في أنه قادر على تقديم الأفضل بعد تطوير أدائه وفرض نفسه بقوّة في تشكيلة جمعيته. ومن المُؤكد أن عودة المساكني على المدى المتوسّط ستجعل الخيارات أكبر والنجاعة أحسن في المنطقة الأمامية التي تحتاج صراحة إلى تعزيز آخر خاصّة في ظل الأداء المُتذبذب للخنيسي. ولا اختلاف في أن الدفاع يتطلّب بدوره بعض التعديلات. خِتاما كيف تُعلّق على ظهور شقيقك لطفي في ساحتنا المحلية وذلك لقيادة "الجليزة"؟ الحَقيقة أن إشراف لطفي على حظوظ مستقبل قابس سيجعل من عائلتنا ظاهرة فريدة وطريفة بكلّ المقاييس فقد خاض ثلاثتنا (أي سمير ولطفي وعادل) تجربة اللّعب قبل أن ندرّب في البطولة التونسية ولا أعرف إن كانت هذه الحالة موجودة في عائلات رياضية أخرى والثابت أنها مُميّزة وتبعث حتما على الفخر والاعتزاز بالإنتماء إلى "آل" السليمي. وقد يخفى على البعض أن لطفي متحصّل أيضا على الجنسية الفرنسية ويدرب للمرّة الأولى في بطولتنا المحلية وأتمنى له طبعا التوفيق في مُغامرته الجديدة والتي تنضاف إلى بقية تجاربه الكثيرة في الخارج الذي أثبتت فيه الاطارات التونسية قُدرات كبيرة سواء في التدريب أوالتحليل أوالطب الرياضي...