بقلم: نجوى الحمراوي (متفقد مركزي ورئيس مصلحة بإدارة الملكية العقارية) يعتبر القانون العقاري من أهم القوانين المدنية وذلك نظراً للقيمة المعنوية والاجتماعية التي يشكلها العقار بالإضافة إلى القيمة المادية. والمشرع التونسي لم يهتم بتنظيم الملكية العقارية فحسب بل وضع لها ضوابط وشروطا خاصة إذا كان المالك أجنبيا. وفي هذا الإطار صدر أمر في 04 جوان 1957 الذي أخضع لرخصة الوالي العملية العقارية المتعلقة بالعقار والحقوق العينية كلما كان أحد أطراف العقد أوكلاهما أجنبي. وقد مر هذا الأمر بفترة قوة وانتشار تزامنت مع فجر الاستقلال وقد كانت الغاية من التشديد في هذه الفترة تمكين الإدارة من مراقبة نقل ملكية الأراضي خاصة منها الفلاحية إلى الأجانب وخاصةً الفرنسيين والايطاليين الذين كانوا يمتلكون أخصب الأراضي الفلاحية في البلاد التونسية وأجودها وقد رتب المشروع في الفصل الثاني من أمر 1957 بالنسبة إلى العمليات التي تتم بدون رخصة البطلان المطلق وكرس فقه القضاء التونسي خاصةً في الفترة الأولى من الاستقلال هذا الجزاء وقضى بالبطلان كلما كان العقد المتعلق بالتفويت أواقتناء العقار خالياً من التنصيص على الرخصة ونذكر من ذلك مثلا قرار مدني عدد 6475 بتاريخ 31 ديسمبر 1968 وقرار مدني عدد 9364 بتاريخ 14 مارس 1974 ولكن هذا التشدد من المشرع كان وليد ظروف تاريخية معينة وكان الحل الوحيد الذي وجدته الدولة الفتية للحيلولة أمام تملك الأجانب لللأراضي التونسية وخاصةً منها الفلاحية خاصةً وأن استرجاع هذه الأراضي من يد الأجانب دفعة واحدة لم يكن ممكنا ولكن بعد صدور قانون تأميم الأراضي الفلاحية في 12 ماي 1964 وبعد تغير الظروف وخاصة الاقتصادية منها تطور التشريع المتعلق برخصة الوالي شيئاً فشيء في اتجاه إعفاء بعض العمليات العقارية من رخصة الوالي حتى ولوكان أحد أطرافها أجنبيا وفي اتجاه الإعفاء بعض الأجانب من رخصة الولاية فأمضت الدولة التونسية في هذا الإطار العديد من اتفاقيات الاستيطان مع البلدان المجاورة من ذلك الاتفاقيات المبرمة مع ليبيا في 14 جوان 1961 والمصادق عليها بالقانون عدد 1 لسنة 1962 المؤرخ في 09 جانفي 1962 والاتفاقيات مع الجزائر المبرمة في 26 جويلية 1963 والمصادق عليها بالقانون عدد 34 لسنة 1966 المؤرخ في 03 ماي 1966 هذه الاتفاقيات مكنت الجزائريين والليبين من التمتع بحقوق يتمتع بها التونسيون وخاصة منها حق امتلاك العقارات بالبلاد التونسية دون الحصول على رخصة الوالي بصفة مسبقة ولكن هذه الاتفاقيات ما لبثت أن اصطدمت بأشكال قانوني هام وهوالإشكال المتعلق بتطبيق مبدإ المعاملة بالمثل والذي واجه ردود فعل مختلفة بين إدارة الملكية العقارية وفقه القضاء التونسي ففي حين اعتبر فقه القضاء هذه المسألة سياسية وإن الدولة التونسية طالما لم تعلق هذه الاتفاقيات فإنها تبقى نافذة المفعول والقضاء مطالب بتطبيقها خاصةً وأن الاتفاقيات المصادق عليها تأتي حسب التسلسل الهرمي للقوانين في المرتبة الثانية بعد الدستور. وصدرت في هذا الاطار أحكام وقرارات تعافي رعايا الدول التي ابرمت معها تونس اتفاقيات إستطيان من شرط الحصول المسبق على رخصة الوالي في العمليات الناقلة للملكية من ذلك قرار تعقيبي عدد 25781 مؤرخ في 23 ديسمبر 2003 وحكم صادر عن المحكمة العقارية في 08 ديسمبر 2003 عدد 826 أما بالنسبة لإدارة الملكية العقارية فقد التزمت في البداية بتطبيق هذه الاتفاقيات إلى أن صدرت عن حافظ الملكية العقارية بتاريخ 30 جوان 1995 مذكرة موجهة الى المديرين الجهويين للملكية العقارية بتاريخ 19 سبتمبر 1995 والتي وضحت أن مبدأ المعاملة بالمثل لم يقع احترامه من بعض الدول التي امضت مع بلادنا اتفاقيات استيطان ومن بينها ليبيا والجزائر وبالتالي اوجبت على إدارة الملكية العقارية مطالبة رعايا هذه الدولة بالإدلاء بالرخصة المسبقة للوالي لترسيم العمليات العقارية المطلوبة بالسجل العقاري وبالتالي دأبت إدارة الملكية العقارية على رفض الترسيم كلما كان أحد أطراف العقد جزائريا أوليبيا ولم يقع التنصيص على عدد وتاريخ الرخصة المطلوبة لنقل ملكية العقارات أوالتصرف فيها بين الأحياء وتواصل هذا الإجراء إلى سنة 2012 حيث صدرت المذكرة عدد 34 لسنة 2012 عن السيد حافظ الملكية العقارية تعفي الجزائرين المقيمين في تونس والحاملين لبطاقة إقامة سارية المفعول من رخصة الوالي في العمليات العقارية الخاصة بالعقارات الغير فلاحية . ثم صدرت في 31 أكتوبر 2016 المذكرة عدد 27 الصادرة عن السيد حافظ الملكية العقارية والتي تمكن اللبيين من ترسيم عقودهم بإدارة الملكية العقارية بشرط تسجيلها لدى احدى القباضات المالية ثم تلتها المذكرة عدد 28 الصادرة في 05 ديسمبر 2016 والتي حددت مبلغ 200 ألف دينار كحد أدنى لقيمة العقارات التي يمكن لليبيين اكتسابها في تونس ووضع هذا الشرط لحماية الطبقات الضعيفة والمتوسطة الحال والحفاظ على حقهم في اكتساب مسكن. لكن إعفاء الليبيين من رخصة الوالي فيما يخص العمليات العقارية النقالة للملكية بين الأحياء بمقتضى المذكرتين سالفتي الذكر والتي لم تحد إدارة الملكية العقارية عن المنهج المعتمد من قبل القباضة المالية التي تقبل تسجيل هذه العقود والمحكمة الإدارية وكذلك المحكمة العقارية التي واصلت تطبيق إتفاقية الإستيطان بين تونس وليبيا والجزائر اثارت جدلاً كبيراً. ففي حين اعتبرهما البعض خطرتين جدا حيث بإعفاء الليبيين من رخصة الوالي فإن آلية الرقابة لم يعد لها أي وجود وبالتالي يمكن لهؤلاء إمتلاك العقارات والشركات بسهولة ببلادنا مما يؤدي إلى سيطرتهم على السوق. فان البعض الآخر إعتبر أنه يمكن أن تترتب عنهما نتائج ايجابية نظراً إلى وجود العديد من الليبيين في بلادنا منذ الثورة وهم مالكون لعقارات بتونس بمقتضى عقود لم يستطيعوا ادراجها بالسجل العقاري نظراً لصعوبة الحصول على رخصة الوالي ما يترتب عنه جمود الرسم العقاري وبإعفائهم من رخصة الولاية بمقتضى المذكرتين المذكورتين نكون قد ساهمنا في فك الجمود عن الرسوم العقارية بصفةٍ قانونية. وأمام هذا الجدل الكبير الذي أثير في خصوص المذكرة عدد 27 و28 لسنة 2016 جاءت المذكرة عدد 24 لسنة 2018 الصادرة عن حافظ الملكية بتاريخ 1 جوان 2018 لتسير في نفس مسار المذكرتين سالفتي الذكر مع تفعيل نفس هذا التوجه بالنسبة للأشقاء الجزائريين ولتوحيد الموقف بين قطبي إشهار العمليات العقارية وتعيد الحياة إلى اتفاقيتي الاستيطان مع ليبيا والجزائر وترتفع واجب التحفظ الذي اعتمدته إدارة الملكية العقارية كلما كان أحد أطراف العقد أوكلاهما جزائري أوليبي الجنسية. هذه المذكرة استثنت وبصفة رسمية العقارات الفلاحية من نطاق تطبيقها ثم ألغت المطالبة برخصة الوالي في عملية الاقتناء أوالتفويت التي يقوم بها مواطنوالدولتين المذكورتين في خصوص العقارات السكنية مع احترام شروط معينة تم ضبطها من ذلك أنها اشترطت إذا كانت عملية الاقتناء أوالتفويت لغير المقيمين أولغير المالكين لحساب بالدينار التونسي أن تتم وفق قوانين الصرف فتكون بذالك هذه العمليات مصدرا من مصادر العملة الصعبة التي تحتاجها البلاد خاصةً في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها. كما اشترطت أن لا يكون العقار موضوع العملية المطلوب ترسيمها من ضمن العقارات ذات الطابع الاجتماعي التي اعدتها الدولة للطبقات الوسطى والمحدودة الدخل وأن لا تقل قيمة العقار المطلوبة عن 300.000.000 . وكذلك كما سبق أن اوضحنا لحماية حق الطبقة المتوسطة والضعيفة في إمتلاك مسكن هذا من جهة وتساهم من جهة اخرى في جلب الاستثمار ودفع التنمية وفي إستقطاب عدد كبير من السياح من القطرين الليبي والجزائري إلى بلادنا وخاصةً منهم الذين يتمتعون بمقدرة شرائية عالية تمكنهم من العيش برفاهية في بلادنا . وهكذا تكون المذكرة عدد 24 لسنة 2018 قد ساهمت في الجهود التي تبذلها الدولة لتخفيف اجراءت تملك الأجانب للعقارات وذلك بحثاً عن مصادر جديدة للعملة الصعبة والضرائب التي توظفها في إقتناء العقارات وذلك اسوة بالعديد من الدول مثل المغرب وتركيا ومصر والإمارات ... التي سهلت تملك الأجانب للعقارات ببلدانها دفعاً للاستثمار مع الإشارة إلى أن المستثمرين مغاربة كانوا أوغيرهم يتمتعون بإمتيازات مكنهم منها قانون الاستثمار لسنة 2016 حيث نص الفصل الخامس منه على حرية إمتلاك المستثمرين لعقارات غير فلاحية بتونس. وهذا القانون جاء أشمل من قانون 2005 المتعلق بإمتلاك العقارات في المناطق السياحية والصناعية وقانون 2016 استثنى العقارات الفلاحية من ميدان تطبيقه ولكنه لم يحدد صبغة العقارات التي يمكن للمستثمرين امتلاكها بالرغم من أنه نص على ضرورة إحترام مجلة التهيئة الترابية والتعمير .